كيف يمكن لإيران تحويل تهديد "ممر زنغزور" إلى فرصة؟
وضعت اتفاقية واشنطن لإنشاء ممر تحت إشراف كونسورتيوم أمريكي، إيران أمام خيار استراتيجي حاسم: القبول السلبي بممر يخضع لسيطرة خصم إقليمي ودولي، أو التحرك الفعّال لتصبح لاعباً رئيسياً في مجال العبور عبر مبادرة مستقلة.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن الاتفاق الأخير بين أرمينيا وأذربيجان في واشنطن، والذي ركّز على فتح ممر للنقل في محافظة سيونيك الأرمنية تحت مسمى جديد ودالّ هو "ممر ترامب"، أطلق فصلاً جديداً في معادلات الجغرافيا السياسية بشمال غرب إيران.
هذا الاتفاق، الذي يضع الإشراف على هذا الممر الاستراتيجي في أيدي كونسورتيوم أمريكي بدلاً من القوات الروسية، يقلّص نفوذ موسكو ويفتح أمام طهران أسئلة مصيرية: القبول بممر تسيطر عليه واشنطن على حدودها، أو التحرك سريعاً لتأمين موقع قيادي في شبكة العبور الإقليمية عبر مبادرات ذات سيادة.
ممر ترامب: التفاف على إيران بغطاء اقتصادي
كانت الفكرة الأولى لممر زنعزور، التي كان من المقرر تنفيذها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 وبإشراف روسي، تهدف إلى ربط أذربيجان بجيب نخجوان عبر الأراضي الأرمنية. وقد واجهت هذه الخطة معارضة صريحة من إيران، خشية إحداث تغييرات جيوسياسية في الحدود وقطع التواصل التاريخي بين إيران وأرمينيا ومنطقة القوقاز.
أما اليوم، ومع دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى الساحة وإسناد إدارة هذا المسار لشركة أمريكية، فقد ازدادت طبيعة التهديد لإيران تعقيداً.
وعند طرح السؤال المحوري: هل ستسمح الولايات المتحدة وأذربيجان لإيران بالاتصال بسهولة بـ "الممر الأوسط" عبر هذا المسار الجديد؟ فإن الإجابة شبه المؤكدة هي: لا. إذ ترى واشنطن أن هذا الممر ليس مشروعاً اقتصادياً بحتاً، بل أداة جيوسياسية لتحقيق الأهداف التالية:
محاصرة إيران: السيطرة على شريان حيوي على حدودها تمنح واشنطن أداة ضغط قوية للحد من نفوذها الإقليمي وخياراتها في مجال العبور.
تقليص نفوذ روسيا: استبدال الإشراف الروسي بسيطرة أمريكية يمثل انتكاسة استراتيجية لموسكو في ساحتها الخلفية.
استكمال الممر الأوسط لصالح الغرب: الربط المباشر بين تركيا وأذربيجان يجعل الممر الأوسط خياراً أكثر جاذبية لتجاوز كل من روسيا وإيران في نقل البضائع والطاقة من آسيا الوسطى إلى أوروبا.
وبناءً عليه، فإن أي وصول إيراني إلى هذا الممر، في أفضل الأحوال، سيكون مشروطاً ومكلفاً وتحت رقابة أمريكية تامة، وهو ما يتعارض بوضوح مع المصالح العليا للأمن القومي الإيراني.
ممر أرس: مبادرة إيرانية مستقلة واستراتيجية
في مواجهة هذا المشروع، تستطيع إيران ويجب عليها أن تدفع قدماً بمشروع "ممر أرس" كخيار مستقل وقوي، بعيداً عن أي اتفاقيات بين يريفان وباكو. يمر هذا الممر عبر الأراضي الإيرانية بمحاذاة نهر أرس، ليربط أذربيجان بنخجوان، ويمتلك ميزات بارزة:
إمكانات ذاتية: يعتمد على البنية التحتية الإيرانية القائمة من طرق وسكك حديدية، ويمكن، عبر استثمارات مركزة، إكماله سريعاً وفق المعايير الدولية. وهو أقصر وأأمن طريق لربط شطري أذربيجان، مع قدرة عالية على جذب حركة عبور مهمة.
استقلالية القرار: يخضع المشروع بالكامل للسيادة الإيرانية، مما يلغي أي تبعية لقرارات أطراف ثالثة.
ولجعل هذا الممر مقبولاً وجاذباً لدول أخرى، ينبغي على إيران:
الإسراع في استكمال البنية التحتية من خلال استثمارات كبيرة وتسريع مشروعات الطرق والسكك الحديدية وبناء جسور جديدة على نهر أرس.
تطوير التسهيلات الجمركية واللوجستية بإنشاء جمارك ذكية، وتقليص البيروقراطية، وتقديم تعريفات عبور تنافسية مع ضمان السرعة وأمن الشحنات.
تنشيط الدبلوماسية والتسويق عبر الترويج النشط للممر لشركاء إقليميين ودوليين وتقديم حوافز لشركات النقل العالمية.
المتغير الصيني – الروسي: فرصة استراتيجية ذهبية
المشهد الجديد يتيح فرصة استثنائية لإيران. فالصين، في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، تبحث عن مسارات آمنة ومستقرة نحو أوروبا. وكانت في السابق تراهن على ممر زنغزور بإشراف روسي، لكن تسليم هذا الممر لشركة أمريكية وتحكّم واشنطن به يشكل نقطة ضعف استراتيجية لبكين، التي لا ترغب في أن يكون شريانها التجاري الأساسي إلى الغرب تحت إدارة خصمها الأكبر.
وبالمثل، فإن روسيا التي تشهد تراجع نفوذها في القوقاز، ترى في ممر أرس خياراً أنسب من مشروع يخضع لسيطرة أمريكية.
هذا التطابق في المصالح يخلق أفضل فرصة للدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية. إذ يتعين على طهران، وهي تدرك هذا القلق المشترك، أن تبادر سريعاً للتفاوض مع بكين وإبرام اتفاق شامل للاستثمار المشترك في استكمال ممر أرس.
النتيجة ستكون مكسباً للطرفين:
إيران تحصل على التمويل والتكنولوجيا اللازمة لإنجاز المشروع بسرعة، وتثبت موقعها كعقدة عبور لا يمكن الاستغناء عنها.
الصين تؤمن ممراً آمناً وسريعاً، بعيداً عن السيطرة الأمريكية، للاتصال بالممر الأوسط وأوروبا، بما يضمن استقرار سلاسل التوريد الخاصة بها.
خاتمة، على الرغم من أن التطورات في القوقاز تبدو للوهلة الأولى تهديداً لإيران، إلا أنها قد تمثل في الجوهر فرصة محورية لإحياء دبلوماسية العبور الإيرانية. والمفتاح هو التحرك السريع والذكي، واستثمار الظرف الفريد لمواءمة المصالح مع قوى كبرى كالصين وروسيا، لمواجهة النفوذ الأمريكي وتعزيز المكانة الجيوسياسية والاقتصادية لإيران.
/انتهى/