أميركا و«إسرائيل» وإيران والحرب
يؤكد الدبلوماسيون والإعلاميون في الغرب خلاصة واحدة قوامها أن الحرب التي خاضتها أميركا و”إسرائيل” ضد إيران جعلت الحلّ الدبلوماسيّ أشدّ صعوبة، فالحرب لم تتوقف بموجب صك استسلام إيراني، ولا وفق شروط معينة، بل كانت أقرب لإعلان العجز الأميركي الإسرائيلي عن مجاراة إيران في الذهاب إلى سقوف أعلى من الحرب.
هذا وقال الاستاذ ناصر قنديل في مقال انالحرب لا تستطيع منع إيران من المضي في برنامجها النووي القائم على مواد مصنّعة في إيران بأيد وعقول إيرانية ووفق خطط وابتكارات هندسية وعلمية وضعها إيرانيون، والضامن الوحيد لمعرفة ما يفعله الإيرانيون هو موافقتهم على السماح للمراقبة، وهو ما يستدعي اتفاقاً جديداً ليس بين الغرب وإيران فقط، بل بين الوكالة الدولية وإيران أيضاً، وإيران بعدما سقطت الحرب كورقة ضغط تفاوضيّة وبعدما تمّ استعمالها مثلها مثل العقوبات لم يعُد لديها ما تسعى لتفاديه، بينما لدى الأميركي والإسرائيلي أشياء كثيرة يريدان تفاديها ولا يملكان خريطة طريق لبلوغ أهدافهما، بعدما أثبتت الحرب محدودية ما تستطيع فعله مع إيران وفي إيران، حيث إسقاط النظام هو الذي سقط، ومعه فرضية إخضاع إيران والحصول على توقيعها على الاستسلام غير المشروط الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
– أظهرت الحرب أن كل الكلام عن ربط دعم إيران لحركات المقاومة كي تكون خط دفاع أماميّ عنها إذا تعرّضت لخطر الحرب، كان مجرد بروباغندا إعلاميّة لشيطنة هذه الحركات والطعن بهويتها الوطنية، حيث إن حركة أنصار الله التي نجحت في خوض حرب رابحة مع أميركا و"إسرائيل" أعلنت أنها سوف تعود للحرب ضد أميركا إذا شاركت أميركا في الحرب على إيران، لم تفعل ذلك لأنها تلقت تمنيات إيرانيّة بعدم الدخول على خط الحرب، احتراماً لكرامة الإيرانيين الذين لا يقبلون أن يدافع عنهم أحد، وأن إيران لا تريد أن ينظر أحد لقوى المقاومة في المنطقة بما يكرّس نظرية وكلاء إيران وأذرع إيران التي يجري تكرارها.
ومع هذه النظرية سقط أيضاً الرهان على التداعيات الداخلية للحرب وتكشّف كل الحديث عن هشاشة النظام عن سرديّة تُرضي أصحابها لكنها لا تعكس الواقع، وكشف رفض إيران أي معونة روسية أو صينية خلال الحرب عن اكتفاء إيراني ذاتي بالقدرات العسكرية وحرص شديد على تثبيت الصمود الأقرب إلى النصر في الحرب كمنجز وطنيّ إيرانيّ، وإقامة العلاقة مع روسيا والصين كحليف قويّ يخاطب حليفين قويّين من موقع النديّة، وليس كدولة تمّت حمايتها من السقوط بمعونة روسيّة صينيّة.
– تبدو العودة الأميركية الإسرائيلية للحرب صعبة، بمقدار ما تبدو فرص التفاوض والتسويات صعبة ومعقدة، بفعل المسافات الشاسعة بين المواقف والعجز الأميركي الإسرائيلي عن تلبية متطلبات إيران للتسويات، من غزة إلى لبنان والعراق واليمن، وصولاً إلى الملف النووي، والبرنامج الصاروخي الذي خرج من الحرب كأسطورة عسكريّة من غير المسموح المساس بها أو المساومة عليها ووضعها على طاولة التفاوض، فالحرب توقفت لأن شروط الاستمرار بها لم تعُد متوافرة، وقد غامرت أميركا و"إسرائيل" بما يُسمّى بحروب الحافة، فاستهداف منشآت نوويّة علناً يحدث للمرة الأولى في العالم وهذه حافة استخدام سلاح نوويّ، لأن النجاح يعني تسرّب إشعاعيّ قد يخرج عن السيطرة والفشل، يعني بقاء القدرات سليمة عند المستهدف، ولعل الرهان على التغيير الداخلي والحصار الإقليمي والاستسلام غير المشروط كان على حدوث هذا التسرّب الإشعاعيّ المرعب، الذي نجحت إيران بتفادي حدوثه، فماذا عن أكثر من حافة أخرى؟.
– هناك حافة القدرة على المجاراة في حرب تبادل النيران، وهي حصراً مخزون الصواريخ لدى إيران القادر على الإطلاق رغم الرقابة الجوية المكثفة، والقادر على تفادي الدفاعات الجوية المتعدّدة والقادر على إصابة أهداف شديدة الأهمية والحساسية، وبالمقابل مخزون صواريخ الدفاع الجوي لدى أميركا و"إسرائيل" بما يقتضيه تصعيد الحرب، والأزمة تتفاقم منذ حرب أوكرانيا في الصناعة الأميركيّة ومع حرب لبنان تصاعدت أزمة مثلها عند "إسرائيل"، وجاءت الحرب على إيران وكشفت الأزمة، بحيث تستطيع إيران وفق تقدير بنيامين نتنياهو مع مخزونها الصاروخي بـ 28 ألف صاروخ أن تقاتل أكثر من سنة بمعدل 30 صاروخاً يومياً، فكيف إذا واصلت الصناعة بمعدل ألف صاروخ شهرياً كما قال نتنياهو أيضاً، بينما كان الخبراء الأميركيون والإسرائيليون يتحدّثون عن قدرة صمود في الدفاعات الجوية الإسرائيلية لعشرة أيام فقط.
– الحافة الأخرى هي حافة الانهيار الداخلي، الذي ظهر أن إيران قد تجاوزته ببراعة حيث حوّلت التحدي إلى فرصة، فتوحّد شعبها ونهضت المعارضات الوطنية تقف خلف النظام تقاتل دفاعاً عن الوطن، بينما بدا أن الحرب بعد يومها الخامس بدأت تتحوّل في "إسرائيل" إلى مصدر تساؤل عن جدوى مواصلة الحرب وتكلفتها، بينما لم تستطع أميركا المواصلة في الحرب بعدما توحّدت جبهتها الداخلية تحت شعار مساهمة بضربة واحدة لا تورط في حرب مفتوحة، وكل عودة للحرب تستدعي تجاوز هذه الحافة، وهو تجاوز نحو المجهول أو نحو الهاوية.
– لا حرب ولا تسويات، يعني مزيداً من حروب الظلال في الأمن والإعلام ومزيداً من الضغوط على الساحات الرديفة، والسعي لحسم ما لم يُحسم منها، من غزة إلى لبنان إلى العراق إلى اليمن وربما سورية أيضاً طلباً لانتصار بائن.
/انتهى/