"سيف القدس" وملامح بداية النهاية
تؤشر التطورات الأخيرة في فلسطين المحتلة الى جملة حقائق ومعطيات لايمكن التغاظي والتغافل عنها. اذا اردنا أن نصل الى فهم موضوعي لمجريات الأمور وتفاعلاتها وتداعياتها وآثارها اللاحقة.
بقلم عادل الجبوري
الحقيقة الاولى، تتمثل في ان التصعيد الحاصل ارتبط باقدام الكيان الصهيوني على انتهاك حرمة المسجد الأقصى ومنع المسلمين من ابناء الشعب الفلسطيني من دخوله واداء الصلاة فيه، ومعروف أن المسجد الأقصى يحظى برمزية دينية ومعنوية كبيرة لدى عموم المسلمين باعتباره يمثل قبلتهم الاولى.
والحقيقة الثانية، هي أن الانتهاك الاخير للمسجد الأقصى لم يكن الاول من نوعه، واغلب الظن أنه لن يكون الأخير مادام الكيان الصهيوني قائما بكل سلوكياته وممارساته الدموية الاجرامية، ولعل مشاهد التدمير والقتل الأخيرة تثبت هذه الحقيقة.
الحقيقة الثالثة، تتمثل في أن ما يجري حاليا يؤكد بما لايقبل الشك والغموض فشل كل مشاريع التطبيع والصلح والتسويات المذلة بين بعض الأنظمة السياسية العربية والكيان الصهيوني، لعدم توفر الارضيات والظروف المناسبة، والتي أساسها هو الوجود الشاذ وغير الشرعي للكيان الصهيوني الغاصب.
اما الحقيقة الرابعة، فهي أن الكيان الصهيوني يعتبر كيانا هشا وضعيفا وقلقا رغم الدعم والإسناد الكبير له من قبل قوى دولية وإقليمية في مقابل تنامي وتزايد قوة محور المقاومة، بما يجعل موازين الصراع تتحرك وتتجه بوضوح بالضد من وجود ومصالح الكيان الغاصب ومن يقف ورائه.
ولاشك ان هذه الحقائق تحتم على كل الأطراف المعنية-لاسيما تلك التي تراهن على أوراق خاسرة-ان تقرأ الواقع بدقة وتعيد ترتيب حساباتها حتى لا تتعرض للمزيد من الخسائر والانتكاسات، رغم انه لم يك غريبا ولا مستغربا ذلك العدوان الصهيوني على حرمات ومقدسات ابناء الشعب الفلسطيني. اذ ان التأريخ الممتد لحوالي قرن من الزمن يحدثنا عن سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات الدموية التي بدأت قبل تأسيس ذلك الكيان في عام 1948.
قد لايكون هناك جديدا في العدوان الصهيوني الجديد، لانه في واقع الامر يعد صورة مكررة لاحداث ووقائع سابقة, ولكن الجديد في المشهد العام هو الرد الفلسطيني غير المتوقع الذي أربك حسابات العدو وخلط كل اوراقه.
هذا التحول المهم لابد ان يفضي الى رسم مسارات مختلفة والتأسيس لمعادلات معايرة, وقد راحت ملامح ومعالم هذه التحولات تتبلور وتتضح سريعا، فإسرائيل التي توصف بأنها تمتلك الجيش الذي لا يقهر في المنطقة، باتت تترنح تحت وقع الضربات الصاروخية القاصمة للمقاومة الفلسطينية في ظل شلل شبه تام لما يسمى بالقبة الحديدية، وتخبط غير مسبوق للمؤسسات الأمنية والسياسية في تل أبيب، وفزع ورعب لامثيل له في الشارع الصهيوني، وحيرة وقلق حلفاء وأصدقاء الكيان الصهيوني وهم يشاهدون ويراقبون هول ما يجري.
هذه المرة، لايبدو ان الأمور ستنتهي مثلما اعتاد الكيان الغاصب, بل إنه لن يكون بإمكانه أن يقرر انهاء المواجهة كما بدأها هو بنفسه حينما انتهك حرمة المسجد الأقصى. فالمقاومة الفلسطينية ليست كما كانت في الماضي من حيث القوة والحضور والتأثير، والايام القلائل الماضية أثبتت أنها رقم صعب جدا، وأنها هي من ستوجه مسارات ومخرجات المواجهة، لاسيما وأنها تعد جزءا من محور المقاومة، وعنوانها بارزا وشاخصا فيه، وهذا ما ينبغي أن يدركه الكيان الغاصب ومن يدعمه ويسانده ويتعاطف معه.
ولعل الاسم الذي اطلقته المقاومة الوطنية الفلسطينية على مواجهتها العسكرية الاخيرة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وهو (سيف القدس)، ينطوي على معان ودلالات عميقة، وقد اريد منه ايصال رسائل مهمة الى زعماء الكيان الصهيوني ومن يدعمهم ويساندهم ويقف ورائهم، سواء من القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، او القوى الاقليمية التي راحت تلهث خلف مشاريع التطبيع المذلة وتوقع على اتفاقيات الهوان دون اي شروط.
"سيف القدس"، يشير بوضوح الى الارادة والتصميم القاطع للثأر والانتقام من الكيان الغاصب، الذي دنس حرمة المسجد الاقصى، واعتدى على ابناء الشعب الفلسطيني ومنعهم من ممارسهم ابسط حقوقهم، ناهيك عن المسلسل الطويل من الجرائم البشعة التي لاتمت بأية صلة للمواثيق الدولية، ومعايير حقوق الانسان التي اقرتها الامم المتحدة، وتبانت عليها مختلف شعوب وحكومات العالم.
ولعل الضربات الصاروخية المتواصلة للمقاومة الوطنية الفلسطينية خلال الايام الماضية التي طالت مختلف المنشات والمراكز والمؤسسات الحيوية في تل ابيب ومدن الكيان الاخرى، والحقت بالعدو خسائر فادحة، واوجدت في صفوفه قدرا كبيرا من الخوف والرعب والفزع، كانت في واقع الامر ترجمة حقيقية لـ(سيف القدس)، الذي راح يقطع اوصال العدو الصهيوني ليجعله ينزف من كل مفاصل جسده، وليكشف بالتالي حقيقة ضعفه وخوائه وهشاشته.. كيف لا؟.. والقبة الحديدية التي كان الكيان الغاصب يفتخر ويتبجح بها، فشلت فشلا ذريعا في التصدي لصواريخ المقاومة.
هل هناك رسالة ابلغ واقوى واوضح من رسالة (سيف القدس)، رغم ان سطورها لم تكتمل بعد، تلك الرسالة التي ينبغي ان يقرأها ساسة تل ابيب ومن معهم بدقة وتمعن حتى لايتفاجئوا وينصدموا ببقية مضامينها، علما ان كتاب واصحاب رأي ومثقفين في تل ابيب، راحوا يقرأون مبكرا مايجري بواقعية وعمق، ويحذرون من استمرار تداعياته الكارثية، لكن يبقى اصحاب القرار من رجال السياسة والامن والعسكر يفكرون ويخططون وفق ما يتمنون اكثر مما يشاهدون.
/انتهى/