الانتحار الاستراتيجي .. خطأ الحكومة اللبنانية الخطير بحذف العنصر الوحيد للقوة

الانتحار الاستراتیجی .. خطأ الحکومة اللبنانیة الخطیر بحذف العنصر الوحید للقوة

الخطأ الخطير للحكومة اللبنانية في إقرار قرار نزع سلاح المقاومة، وذلك دون الحصول على أي ضمانات من أمريكا لوقف اعتداءات واحتلال الكيان الصهيوني، يضع لبنان أمام اختبار وجودي خطير تكون نتيجته لخدمة العدو فقط.

وكالة تسنيم الدولية للانباء:

  استطاعت الحكومة الأمريكية عبر إملاء مطالبها على الحكومة اللبنانية وعلى رأسها إقرار مشروع نزع سلاح المقاومة لصالح مصالح الكيان الصهيوني، أن تحرف الانتباه عن اعتداء واحتلال هذا النظام وانتهاكه المتكرر لاتفاق وقف إطلاق النار.

توم براك، الموفد الأمريكي الذي أحضر قبل أسابيع وثيقة إلى لبنان وأدرج فيها مجموعة من الشروط التي يريدها، ضغط في الفترة الأخيرة على الحكومة اللبنانية لقبول إملاءات واشنطن التي تتماشى تماماً مع أهداف ومطالب الصهاينة، ورفض طلب لبنان بإجراء بعض التعديلات على بنود الوثيقة المذكورة أو تغيير وقت تنفيذها.

الجدول الزمني الأمريكي لإفراغ لبنان من عناصر القوة

طبقاً للوثيقة التي قدمها الأمريكيون للحكومة اللبنانية واستسلمت لها هذه الحكومة، تم وضع جدول زمني من أربع مراحل حتى نهاية هذا العام لنزع سلاح المقاومة، وهكذا حدد الأمريكيون حتى 31 ديسمبر من العام الحالي مهلة لتسليم أسلحة المقاومة كاملة؛ وذلك دون أن يكون قد جرى أي نقاش داخل لبنان حول وضع استراتيجية دفاعية لحماية هذا البلد. من جهة أخرى، لم يوافق الأمريكيون على تقديم أي ضمانات لوقف اعتداءات واحتلال الكيان الصهيوني للبنان.

بهذا تكون الحكومة الأمريكية قد وضعت لبنان مرة أخرى في مأزق كبير وجرّته نحو اختبار صعب يمكن أن يسبب اضطراباً داخلياً.

مشروع أمريكا الذي أُعد بشكل أحادي وتم إملاؤه على الحكومة اللبنانية، ينقسم إلى أربع فترات زمنية:

المرحلة الأولى (15 يوماً): تشمل إصدار أمر من مجلس وزراء لبنان يتعلق بالالتزام بنزع سلاح حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى كلياً حتى 31 ديسمبر 2025 مع التركيز على النقل الفوري والتدرجي للأسلحة الثقيلة مثل الصواريخ والطائرات المسيرة إلى الجيش اللبناني في جنوب وشمال نهر الليطاني، ومنع الإجراءات العسكرية لحزب الله بما فيها الوصول إلى البنى التحتية العسكرية الأرضية وتحت الأرض، والمعدات العسكرية، والمواقع العملياتية ومستودعات الأسلحة في جميع أنحاء لبنان.

الأمريكيون الذين أكدوا مراراً عبر مسؤوليهم وموفديهم ومنهم توم براك، لا يقدمون ضمانات حول وقف اعتداءات واحتلال إسرائيل للبنان، يتحدثون في هذه الوثيقة عن وقف العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية لإسرائيل ويدّعون أن أمريكا وفرنسا ستلتزمان بالضغط على إسرائيل لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار كاملاً واستئناف جلسات اللجنة الخماسية الشهرية المكونة من أمريكا وفرنسا ولبنان ويونيفيل وإسرائيل، في حين أن باريس وواشنطن سبق أن قدمت مثل هذه الالتزامات أثناء توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني في نوفمبر الماضي، لكنها لم تلتزم بها أبداً ومهدت الطريق لاعتداءات واحتلال الكيان الصهيوني ضد لبنان.

في هذا المشروع الأمريكي، تم التأكيد أيضاً على بدء مفاوضات من قبل أمريكا وفرنسا والأمم المتحدة لحل قضية المناطق والنقاط المتنازع عليها وتحديد الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

النقطة المحورية حول هذه المرحلة هي بدء نزع سلاح المقاومة مقابل التزام ادعائي بوقف الاعتداءات الصهيونية، وهذا يعني تكرار نفس تجربة وقف إطلاق النار السابقة؛ حيث كان من المقرر انسحاب قوات المقاومة من جنوب نهر الليطاني مقابل وقف الاعتداءات الصهيونية على لبنان، لكن هذا الكيان لم يلتزم أبداً بتعهداته ووسع اعتداءاته على مناطق مختلفة في لبنان.

خلال السنوات الماضية خاصة في الحرب الأخيرة بين لبنان والكيان الصهيوني، ثبت تماماً أن أمريكا تتعاون مع الكيان الصهيوني في كل الذرائع الأمنية ولم تهتم أبداً بمصالح لبنان وكان عامل الردع الوحيد للبنان أمام تهديدات الكيان الصهيوني هو المقاومة وسلاحها، لذا في المرحلة التالية ما الذي سيجبر الكيان الصهيوني على الالتزام بأي تعهد لوقف اعتداءاته؟

المرحلة الثانية (من اليوم 15 إلى 60): ستبدأ الحكومة اللبنانية بتنفيذ مشروع نزع السلاح. هنا يحدد المشروع الأمريكي المراحل الجغرافية خارج منطقة جنوب نهر الليطاني. أنواع الأسلحة التي يجب إزالتها مثل قاذفات الهاون، وقاذفات الصواريخ، والمواد المتفجرة، وصواريخ أرض-جو وأرض-أرض والطائرات المسيرة يجب أن تُزال خلال 30 يوماً في عموم لبنان. النقطة الساخرة هي أن الوثيقة الأمريكية تذكر أسلحة الدمار الشامل مثل الأسلحة البيولوجية والكيميائية التي يجب إزالتها، في حين أن حتى العدو الصهيوني نفسه لم يدّع أبداً أن المقاومة تمتلك هذه الأسلحة المحظورة دولياً.

هذه الترتيبات الأمريكية تستلزم الانتشار التدريجي لقوات الجيش اللبناني في المناطق المشمولة بالمشروع وإنشاء نقاط تفتيش، وتحديداً مثلاً إنشاء 10 نقاط تفتيش في النبطية وبعلبك-هرمل.

النقطة المهمة هنا أن هذا المشروع يتحدث بوضوح عن الهيمنة والوصاية الأمنية الأجنبية على لبنان عبر المراقبة على انتشار الجيش ومشروع نزع سلاح حزب الله من قبل اللجنة الخماسية التي ستشرف على تقارير أسبوعية حول التوافق مع المراقبة الجوية ودوريات الجيش اللبناني لتأكيد إزالة البنى التحتية العسكرية لحزب الله، بالإضافة إلى ذلك يجب إجراء مراقبة بالأقمار الصناعية والطائرات المسيرة من قبل أمريكا أو فرنسا، وهذا سيكون أول علامة واضحة على نشاط الطائرات المسيرة الأمريكية-الفرنسية فوق لبنان.

المرحلة الثالثة (اليوم 60 إلى 90): سيتم تأكيد انسحاب حزب الله الكامل من منطقة جنوب نهر الليطاني، وبعد ذلك ستنسحب إسرائيل من نقطتين أخريين تحتلهما في جنوب لبنان، وتنتشر قوات الجيش اللبناني في تلك النقاط وسيعود المدنيون إلى قراهم ومناطقهم. تلي ذلك، ستسهل أمريكا وفرنسا والأمم المتحدة ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا بهدف إكمال مشروع ترسيم الحدود في المرحلة الرابعة وتحرير الأسرى اللبنانيين.

المرحلة الرابعة (اليوم 90 إلى 120): تتعلق بإزالة الأسلحة الثقيلة المتبقية وجميع أنواع الأسلحة في عموم لبنان ووضعها جميعاً تحت تصرف الحكومة بمساعدة فنية عسكرية أمريكية وبمشاركة اللجنة الخماسية، تلي ذلك تدعو الدول الصديقة والداعمة للبنان لعقد مؤتمر اقتصادي في خريف 2025 لدعم اقتصاد لبنان وإعماره.

العواقب الخطيرة للقرار الأمريكي للحكومة اللبنانية بنزع سلاح المقاومة


هذا المشروع الأمريكي الذي أُعد بشكل أحادي كامل، يطلب تنازلات كبيرة من لبنان لكنه لا يقدم في المقابل أي ضمانات أو امتيازات لهذا البلد، وجميع البنود المتعلقة بالتزامات الكيان الصهيوني بوقف اعتداءاته واحتلاله في لبنان تبدو غامضة ومن الواضح أنها لن تنفذ.

بالإضافة إلى ذلك، واجه لبنان ضمناً خياراً صعباً؛ قبول الوثيقة الأمريكية كاملة أو رفضها كلياً. في الحالة الثانية، سيعطي الجانب الأمريكي شرعية علنية لهجمات الكيان الصهيوني المستمرة والمتصاعدة على الأراضي اللبنانية، وفي حالة قبول الخيار الأول لن تكون الظروف مختلفة كثيراً؛ لأن لا توجد ضمانات لوقف الاعتداءات الإسرائيلية.

الأمريكيون كانوا يعلمون مسبقاً أن لبنان يطلب ضمانات حقيقية لأمنه، وأن أي اتفاق حول مستقبل المقاومة وسلاحها يحتاج لإجماع كل اللبنانيين، لذا فإن إغلاق أبواب الحوار حالياً والضغط على الحكومة اللبنانية لبدء تنفيذ مشروع نزع سلاح حزب الله في وقت قريب، قد يؤدي لأزمة داخلية كبيرة في لبنان ومن الواضح تماماً أن المستفيدين منها هم أمريكا والكيان الصهيوني.

النتائج الخطيرة لقرار الحكومة اللبنانية الأمريكي بنزع سلاح المقاومة

الجميع يعلم أن منطق الولايات المتحدة في المنطقة هو ترسيخ هيمنة الكيان الصهيوني على حساب فقدان أمن شعوب المنطقة، وفي هذا السياق يعد لبنان بسبب موقعه الجغرافي والديموغرافي وكذلك خصائصه الاجتماعية، من أبرز الدول العربية المعرضة لمؤامرات أمريكا وإسرائيل المستمرة، في هذا الإطار تسعى واشنطن تحت غطاء دبلوماسي وتهديد بالعقوبات أو وعود بالمساعدة، لإعادة تشكيل البيئة السياسية والأمنية اللبنانية لخلق ترتيبات إقليمية جديدة يكون نزع سلاح المقاومة في قلبها؛ بحيث تختفي مراكز القوى في المنطقة وتتحول الدول المحيطة بفلسطين المحتلة لمؤسسات ضعيفة تفتقر لصنع القرار والسيادة.

من الواضح أن نزع سلاح المقاومة في لبنان في غياب بديل حقيقي وفعال لسيادة هذا البلد، سيفتح الباب أمام فوضى أمنية وسياسية. فسلاح المقاومة هو العامل الوحيد الذي أحدث نوعاً من توازن الردع ضد الكيان الصهيوني للبنان وتسبب في خلاص هذا البلد من براثن الاحتلال. كما أثبت سلاح حزب الله فعاليته وكفاءته في الحرب الأخيرة ولم يسمح للصهاينة بدخول مدن لبنان ومرة أخرى احتلال هذا البلد.

ـ قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح المقاومة لتلبية مطالب أمريكا، لا يهدد المقاومة فقط بل البنية اللبنانية بأكملها.

ـ هذا القرار يخل بالتوازن القائم في المعادلة الوطنية ويعيد لبنان إلى أجواء الفرقة والفتنة التي كانت موجودة قبل الحروب الأهلية الكارثية.

ـ مثل هذا القرار يفتح الباب أمام تدخل الكيان الصهيوني المباشر الذي قد يستخدم ذريعة غياب الردع لتنفيذ هجمات جديدة مشابهة لما حدث في الحروب السابقة.

ـ يضعف هذا القرار موقف الحكومة اللبنانية في التفاوض حول أي اتفاقيات إقليمية مستقبلية ويزيل عنصر قوتها.

ـ ما يحدث اليوم في لبنان لا يمكن فصله عن الاعتبارات الإقليمية والدولية؛ حيث يُعتبر إضعاف المقاومة بوابة لتمدد النفوذ الغربي والأمريكي في المنطقة، كما يرى الكيان الصهيوني هذا الوضع فرصة تاريخية لتحقيق ما لم يستطع كسبه في ساحة المعركة.

تعامل حزب الله الذكي مع القرار الخطير للحكومة اللبنانية

أما فيما يتعلق بكيفية تعامل حزب الله مع هذه العملية، يجب أن نقول إن هذه الحركة تلتزم دائماً بالمثلث الذهبي (الجيش، الشعب، المقاومة) وتعتقد أن أي جهد لنزع سلاح المقاومة يعني إزالة آخر خط دفاعي للبنان. أعلن حزب الله صراحة رفضه المطلق لأي مشروع يؤدي لنزع سلاح المقاومة وحذر من عواقبه الخطيرة. حالياً يمتنع حزب الله عبر التنسيق والتعاون الاستراتيجي مع حركة أمل، عن تسليم سلاحه، وفي نفس الوقت يتجنب أي مواجهة مع الجيش اللبناني والانجرار لحرب أهلية، بالإضافة لذلك اتخذ حزب الله قراراً أكثر أهمية؛ وهو عدم الاستقالة من الحكومة.

في هذه الأثناء، سيكون موقف الجيش اللبناني هو الآخر محدداً، وإذا أصرت الحكومة على جر الجيش لحرب أهلية بلا هدف أو وضعه مقابل جزء كبير من الشعب اللبناني، سيتعرض الجيش ومستقبل لبنان كله للخطر، لذا يجب على المسؤولين السياسيين اللبنانيين أن يعلموا أن استمرارهم في هذا المسار سيعرض لبنان لأصعب التحديات الوجودية منذ آخر حربه الأهلية حتى الآن.

الانقياد الأعمى لمطالب أمريكا يهدد نسيج كيان لبنان ويحوله لدولة مُفرغة من كل عناصر القوة وساحة مفتوحة لتنفيذ رغبات الآخرين، لا تستطيع الصمود في بيئة إقليمية متفجرة.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة