أمريكا العظمى ووهم تدمير منشأة "فوردو" النووية في إيران

أمریکا العظمى ووهم تدمیر منشأة "فوردو" النوویة فی إیران

مَن يستمع إلى ضجيج المؤتمرات الصحفية في أمريكا حول تدمير المراكز النووية في إيران، يشعر بأن أمريكا لم يعد لديها شيء سوى تدمير منشأة "فوردو"، فحيث يذهب الرئيس الأمريكي مع وزرائه يتحدّث عن هذا الموضوع، منبهًا إلى خطورة ما تثيره التسريبات المخابراتية ووسائل الإعلام الأمريكية عن عدم جدوى ما زعمه الرئيس الأمريكي بشأن عدوانه على إيران في ما أسماه"مطرقة الليل"،التي استهدفت المراكز النووية في إيران.

أ.د.فرح موسى:رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية

فهؤلاء يرون أن المطرقة لم يسمع دويها إلا في أمريكا لما يثار حولها من ضجيج مفتعل لغاية في نفس الرئيس وإدارته! وهنا نود الإشارة إلى ضرورة التنبه لهذا الجدل الصاخب وما يحمله من مخاطر  على إيران في أجواء الحديث مجددًا عن مفاوضات مع إيران بخصوص الملف النووي، ورفع العقوبات جزئيًا، ومخاطبة الصين لشراء النفط الإيراني، إلى غير ذلك مما يظهره الرئيس الأمريكي من ود وسلام وأحلام اتجاه الجمهورية الإسلامية!؟فهذا كله،كما نرى، يُنذر بالمزيد من القلق، لكون المخادعة الأمريكية كانت سيدة الموقف طيلة فترة المفاوضات قبل العدوان على إيران.

ثم جاء العدوان، وتكشّفت الأمور على حقيقتها! وإذا كان المفاوض الإيراني قد تلمّس حقيقة الموقف، إلا أنه لم يبنِ عليه في مقاربة الأحداث، وإذا كان قد استشعره قبل الحرب، فإن الأحداث وقوة الخرق في الداخل الإيراني، فاقت التصور، وجعلت من الذهول في الوهلة الأولى، بديلًا لأي وعي في مواجهة الحدث! وهكذا، تحوّل الأمر، لتكون القيادة الإيرانية في موقع ردة الفعل، واستيعاب الحدث، لتفويت الفرصة على العدو في ما كان يهدف إليه من إسقاط النظام الإسلامي! وقد تمكنت القيادة الإيرانية الحكيمة من استدراك الموقف طيلة فترة الحرب بعون الله تعالى وفضله.

وهنا يبدو لنا السؤال ملحًا عن ما رافق الحرب من مفاوضات، فيسأل سائل، لماذا توقفت الحرب بإعلان أمريكي؟ وهل من معنى سياسي، استراتيجي، لقبول أن يكون العدو هو الخصم والحكم في تحديد المسارات، وفرض الخيارات؟ولماذا هذا الصخب الأمريكي الصهيوني حول تدمير المراكز النووية؟، أليس من حق الشعب الإيراني، وقوى محور المقاومة، السؤال عن جدوى وقف الحرب في لحظة حاسمة من مفاجأة العدو بالبأس الشديد بعد كل ما تكبدته الجمهورية الإسلامية من خسائر، مادية ومعنوية؟ وماذا عن هذا الذي يبديه الرئيس الأمريكي من تفاؤل حول عودة المفاوضات؟ هناك أسئلة كثيرة يمكن أن تثار حول ما جرى ويجري حتى هذه اللحظة، ولكن يبقى أهمها كما ذكرنا هذا الصخب الأمريكي حول تدمير المراكز النووية، والمصحوب بالأمل أن يتم التواصل مع القيادة الإيرانية لإجراء مفاوضات جديدة يؤسس من خلالها لسلام دائم في الإقليم، فترفع العقوبات، وتنعم إيران بالوفرة الاقتصادية، لتكون دولةً عظمى كما يحلم لها الرئيس الأمريكي أن تكون!!!.

هذا هو المشهد الذي يرافق صخب التدمير لمنشأة"فوردو"، في إيران، والأمن القومي الإيراني،كما جاء في بيانه الأخير، ليس بغافل عن المسعى الأمريكي، لجعل إيران في مستوى دون ما تراه لنفسها من قوة ونفوذ في الإقليم! ولسنا نشك إطلاقًا في أن أمريكا في مناورتها الجديدة لا تسعى لتفاوض متكافيء مع إيران، لكونها خاضت الحرب تحت عنوان الاستسلام غير المشروط، وهذا ما تعيه إيران جيدًا، ولكنها لا تجيب على أسئلة الواقع، وتترك للعدو الإدلاء بمواقفه بخصوص ما يقبله لإيران، وما يرفضه لها، سواء في النووي، أو في غيره من قبول التفاوض مجددًا على نحو ما يطرحه العدو  من شروط!!!؟.

لقد وقع الخطأ الجسيم حينما تم الالتزام بالإعلان الأمريكي لوقف النار بعد عدوانه على إيران!،والعدو ربما قارب ليتغفّل،وهذا ما سبق لنا أن حذرنا منه قبل العدوان،ولا زلنا على موقفنا بأن إيران لا تزال عرضةً للمخاطر إزاء هذا التثوير الأمريكي حول تدمير النووي من عدمه في إيران!، وكأن العدو في أخباره المتناقضة يريد القول للأمن القومي الإيراني: إن قبول التفاوض بالشروط الأمريكية، هو الذي يحدّد الخيارات الأخرى في مواجهة إيران، وتحت العنوان النووي نفسه! وإيران تعي هذه المحاولة الأمريكية الصهيونية، وتفقه جيدًا معنى قوله تعالى:"ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم، فيميلون عليكم ميلةً واحدةً…".فالعدو عازم على النيل من النظام الإسلامي، ولا يؤمن جانبه لجهة ما يدّعيه من شروط لضمان السلام والأمن لإيران ومعها!؟، فهو يعلم أن إيران تملك المعرفة النووية، وهذا ما صرّح به وزير التفاوض الأمريكي السابق، بقوله:"وعلى فرض صحة الأنباء بتدمير المراكز النووية، فكيف لكم أن تدمّروا المعرفة النووية في إيران؟".

فإذا كانت إيران عازمة على التفاوض بعد إعلان وقف النار الأمريكي، فهذا يُنبيء بوجود مناورة أمريكية إيرانية جديدة لإبرام تسوية على أنقاض التدمير للمراكز النووية! ومهما كانت هذه التسوية، فإنها تبقى منطوية على مخاطر تعرّض النظام الإسلامي في إيران لمزيد من التآمر الأمريكي، لأنه لا يمكن لإيران أن تحسن الظن، أو أن تصدّق الود والاحترام الذي يبديه الرئيس الأمريكي اتجاهها،كيف لا وفلسفة وجود النظام الإسلامي نفسه تقوم على العداء لأمريكا!!؟ فإيران لا يمكنها الإجابة على سؤال التفاوض مجددًا بعد تعرّضها لمخادعة شيطانية لا مثيل لها في تاريخ التفاوض بين الدول والشعوب!.

فالأصل اليوم في مبدئية الدين والسياسة، هو عدم التفاوض، فإذا كانت مفاوضة ما قبل الحرب قد أدت إلى هذا العدوان الكبير على مصالح الأمة الإيرانية، فما هو مآل مفاوضة ما بعد الحرب وإعلان وقف النار وضجيج التدمير النووي؟ إن ما أجابت عنه إيران من أسئلة حتى اليوم، هو أنها علّقت العمل مع الوكالة الدولية للطاقة النووية،ويستفاد من ذلك عزمها على تطوير وتسريع نشاطها النووي،لكون ذلك يحمي لها ثقلها الجيوسياسي، ويعزّز من مكانتها الاستراتيجية،هذا فضلًا عن ما هو حق لها من قوة ردعية وحقوق سيادية غير قابلة للتفاوض،والعاقل لا يُلدغ من جحرٍ مرتين!فإيران النوويةكما قلنا في مقالتنا السابقة،تعادل إيران الإسلامية،فإذا ما عادت إيران إلى التفاوض الملتبس والمخادع،فإنها بذلك تكون قد استجابت للضجيج الأمريكي،وأخضعت نفسها لمساومة جديدة منطوية على مخاطر جمّة،طالما أن العدو عازم على حبس الأنفاس النووية للأمة الإيرانية بتهديده الدائم للعدوان،بحيث يكون منه ذلك في أي لحظة يشاء لنفسه فيها تغيير نغمة التدمير النووي من خلال إيجاد مسوّغات للعدوان.لذا،فإنه يبقى على إيران أن تجيب على أسئلة الواقع بما يسمح بتوضيح الموقف،وخصوصًا لجهة القبول بإعلان وقف النار! والسلام.

/انتهى/

المواضيع ذات الصلة
المواضيع ذات الصلة
  • إیران
الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة