لماذا تُعدّ الصناعة النووية مفتاح التنمية المستدامة في إيران؟

لماذا تُعدّ الصناعة النوویة مفتاح التنمیة المستدامة فی إیران؟

لم تحقّق الصناعة النووية في إيران اليوم تقدمًا كبيرًا في المجالات العلمية والتقنية فحسب، بل أصبحت أيضًا، بوصفها "صناعةً أمّ"، محرّكًا للنمو والتطور في قطاعات اقتصادية أخرى.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن قائد الثورة الإسلامية وصف في خطابه بتاريخ 3 يونيو 2025 الصناعة النووية بأنها "صناعة أمّ"، قائلاً: "الصناعة النووية ليست مخصّصة لإنتاج الطاقة فحسب؛ البعض يظنّ أنها تعني فقط طاقة نظيفة ورخيصة ــ وهو أمر صحيح طبعًا ــ وهذا أحد ثمارها، لكنه ليس كل شيء؛ فهذه الصناعة لها فوائد متعددة تتجاوز الطاقة".

هذه الصناعة تحمل تأثيرات واسعة وعميقة في المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة. وتُظهر الإحصائيات والإنجازات التي حققتها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بوضوح أن هذه الصناعة تلعب دورًا محوريًا ومؤثرًا في مجالات متنوعة، من الطب والزراعة إلى التقنيات المتقدمة.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على مجالات تأثير الصناعة النووية المختلفة:

تحوّلات جذرية في الطب النووي

يُعدّ الطب أحد أهم المجالات التي أثّرت فيها الصناعة النووية بشكل كبير. فقد شهد قطاع الطب النووي في إيران تطورًا ونموًا استثنائيًا، ما جعله من أكثر المجالات تقدمًا ضمن هذه الصناعة.

وبحسب التقارير الرسمية، يوجد حاليًا 117 مركزًا للطب النووي في أنحاء البلاد، تنتج أكثر من 70 نوعًا مختلفًا من الأدوية المشعة. وهذا يعكس تقدم إيران الملحوظ، إذ كانت قبل عشرين عامًا تعتمد بشكل كامل على استيراد هذه المنتجات الحيوية.

وقد أكد محمد قنادي، نائب رئيس منظمة الطاقة الذرية، أن إيران تحتل اليوم المرتبة الأولى إقليميًا في إنتاج الأدوية المشعة العلاجية، وتتمتع بمكانة جيدة في تصدير الأدوية المشعة التشخيصية والعلاجية. ويستفيد سنويًا نحو مليون مريض إيراني من هذه الأدوية، مثل "تكنيسيوم 99م"، ما يعكس حجم الحاجة المحلية وأهمية هذه الصناعة الاستراتيجية.

ثورة في الزراعة النووية

حققت إيران أيضًا إنجازات لافتة في المجال الزراعي من خلال الصناعة النووية. فقد نجح الباحثون في الزراعة النووية باستخدام تقنية "التحوير الإشعاعي" وأشعة غاما في تطوير 14 صنفًا جديدًا من الأرز والقطن وفول الصويا والكانولا واليوسفي، تتمتع بمواصفات فريدة.

ومن أبرز النجاحات في هذا المجال، تطوير صنفي الأرز "كيان" و"هستي"، اللذين اعترفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بميزاتهما. فهذان الصنفان ينتجان 3 أطنان للهكتار في ظروف الجفاف، ونحو 6 أطنان للهكتار في ظروف الري العادية، أي ما يعادل خمسة أضعاف إنتاج الأصناف المحلية.

كما أن إنشاء مراكز إشعاع زراعي قادرة على معالجة 500 ألف طن من المنتجات الزراعية سنويًا في 12 مركزًا بأنحاء البلاد، يُعدّ نموذجًا آخر لاستخدامات هذه الصناعة الواسعة. وقد أعلن محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية، أن هذه القدرة يمكن أن تقلل من الفاقد الزراعي بنسبة تصل إلى 40%، وهو أمر بالغ الأهمية لبلد يبلغ حجم إنتاجه الزراعي السنوي نحو 130 مليون طن.

تقنيات متقدمة وابتكارات علمية

شهدت إيران أيضًا تطورات مهمة في التقنيات المتقدمة ذات الصلة بالصناعة النووية، من بينها إنتاج "البلازما الباردة" التي تُستخدم في علاج السرطان ومكافحة سموم الأفلاتوكسين في مزارع الفستق. كما تشمل الابتكارات تطوير تقنيات الليزر والكم، التي تُعد امتدادًا للعلوم النووية.

وفي هذا السياق، أعلن محمد إسلامي عن إنجاز جديد يتعلق بجمع تقنيتي الليزر والتكنولوجيا الحيوية باستخدام مشتقات الماء الثقيل، التي تُستخدم في صناعة أدوية "الدوتريت". وأكد أن هذه المشتقات تُعد من أحدث الإنجازات العلمية، وأن إيران باتت جاهزة لتصديرها إلى دول أخرى.

التأثير الاقتصادي ومضاعِف النمو

تشير الدراسات الدولية إلى أن الصناعة النووية تملك أعلى مضاعف اقتصادي مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى؛ فكل دولار يُستثمر في هذه الصناعة يولّد 1.9 دولار كأرباح محلية، و4.3 دولار نموًا في الناتج المحلي الإجمالي، و1.4 دولار إيرادات ضريبية، ما يعكس أثرها الكبير على الاقتصاد الوطني.

وفي مجال الماء الثقيل، استطاعت إيران أن تحصد 12.5% من الحصة السوقية العالمية. وأوضح محمد إسلامي أن سعر الكيلوغرام الواحد من الماء الثقيل يبلغ نحو 1000 دولار، ويُستخلص منه 300 نوعًا من المشتقات، قد يصل سعر بعضها إلى عشرات آلاف الدولارات للغرام الواحد. كما يبلغ سعر طن من الميثانول المستخرج من الماء الثقيل مليون و200 ألف دولار، في حين أن الميثانول المنتج في مصانع البتروكيماويات لا يتجاوز 500 دولار للطن.

توفير فرص العمل وتنمية رأس المال البشري

تلعب الصناعة النووية دورًا مهمًا في خلق فرص العمل. فقد أعلن محمد إسلامي أن القدرات البشرية لمنظمة الطاقة الذرية ستتضاعف ثلاث مرات خلال السنوات السبع المقبلة بفضل المشاريع الحالية. ويعمل حاليًا نحو 5 آلاف شخص في بناء الوحدتين الثانية والثالثة من محطة بوشهر النووية، ما يعكس الأثر المباشر لهذه المشاريع على سوق العمل.

ومن اللافت أن 40% من خبراء الصناعة النووية في إيران هم من النساء، ما يدل على دور هذه الصناعة في تمكين المرأة اقتصاديًا وتوفير فرص متساوية. كذلك، تُدير منظمة الطاقة الذرية 13 مدرسة ابتدائية وثانوية، ما يعكس استثمارها طويل الأمد في إعداد كوادر علمية متخصصة.

المكانة الدولية والمقارنة الإقليمية

احتلت إيران في عام 2023 المرتبة الثلاثين عالميًا في إنتاج الكهرباء النووية، بتوليدها 6.6 تيراواط/ساعة. كما يبلغ عدد مراكز الطب النووي بالنسبة إلى عدد السكان 1.36 مركزًا لكل مليون نسمة، وهو معدل جيد مقارنة بدول المنطقة، لا سيما في ظل العقوبات الدولية الشديدة المفروضة على البلاد.

ويُعدّ تخصيب اليورانيوم من الركائز الأساسية لتأمين الوقود المستدام لمفاعلات الطاقة والبحوث، وله أهمية استراتيجية كبرى، ليس فقط لضمان تزويد المفاعلات بالوقود، بل أيضًا لتعزيز قدرة إيران التفاوضية على الساحة الدولية.

لقد أحرزت الصناعة النووية الإيرانية تقدمًا ملحوظًا في مختلف المجالات العلمية والتقنية، وأصبحت اليوم بحق "صناعة أمّ"، تُمهّد الطريق لتطور ونمو القطاعات الاقتصادية الأخرى. ومن خلال سلسلة من الأنشطة الاقتصادية، بدءًا من إنتاج الطاقة النظيفة إلى علاج الأمراض المستعصية، تلعب هذه الصناعة دورًا حيويًا في الأمن القومي، والصحة العامة، والتنمية المستدامة للبلاد.

/انتهى/

 
 
الأكثر قراءة الأخبار الأقتصاد
أهم الأخبار الأقتصاد
عناوين مختارة