التأمين المشترك بين إيران وروسيا: تحول نوعي في مجال الترانزيت واللوجستيات
يشكّل اتفاق التأمين المشترك بين إيران وروسيا خطوة مفصلية في تطوير مسار الترانزيت واللوجستيات ضمن ممر الشمال–الجنوب، إذ لا يقتصر دوره على تعزيز أمن نقل البضائع، بل يسهم كذلك في تقليص المخاطر الناجمة عن العقوبات.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأنه مع التحولات الجيوسياسية المتسارعة وتشكّل تحالفات اقتصادية جديدة، دخل التعاون الإيراني الروسي في مجال النقل والترانزيت مرحلة جديدة.
من أبرز التحديات التي كانت تعرقل هذا التعاون، غياب تغطية تأمينية موثوقة للبضائع العابرة لممر الشمال–الجنوب الاستراتيجي، في ظل امتناع شركات التأمين الدولية عن تقديم خدماتها بسبب العقوبات الغربية. غير أن التوقيع على اتفاق التأمين المشترك بين طهران وموسكو يشكّل نقلة نوعية نحو تأمين هذا الممر الحيوي وتخفيف تبعات العقوبات؛ خطوة لا تعدّ مجرد إجراء لوجستي، بل مؤشرًا على بروز بنى تحتية اقتصادية مستقلة ضمن النظام العالمي الجديد.
ممر الشمال–الجنوب... أهمية استراتيجية متصاعدة
يمتد هذا الممر على مسافة 7200 كيلومتر، ويربط دول الخليج الفارسي وآسيا الوسطى وإيران والقوقاز وروسيا والهند عبر خطوط برية، بحرية، وسكك حديدية. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن هذا الطريق يمكن أن يقلّص زمن نقل البضائع بين الهند وروسيا من 45 يومًا إلى نحو 20 يومًا فقط.
ومع تطورات مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وعرقلة بعض المسارات التقليدية كقناة السويس، وأزمة البحر الأحمر، والتدخلات الأميركية في المسارات التجارية، برزت أهمية ممر الشمال–الجنوب أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا السياق، أصبح موضوع التأمين على البضائع العابرة أحد الهواجس الرئيسية للتجّار والحكومات على حد سواء.
التأمين: ركيزة أساسية في سلاسل الإمداد الدولية
يُعدّ التأمين عنصرًا محوريًا في سلاسل الإمداد، حيث يحدّ من مخاطر السرقة، الحوادث، تلف البضائع، تأخير التسليم، بل والمخاطر السياسية والعقوبات. وفي ظل تردّد معظم شركات التأمين الدولية في التعامل مع إيران وروسيا تحت ضغط العقوبات، فإن إعداد إطار تأميني مشترك محلّي يمكن أن يملأ هذا الفراغ، ويشكل نموذجًا تحتذي به دول مستقلة أخرى.
ووفقًا للمعلومات المنشورة، فإن وثيقة التأمين المشترك بين إيران وروسيا صيغت على شكل كونسورتيوم من شركات التأمين المحليّة في البلدين، بدعم من السفارة الإيرانية في موسكو.
وتتضمن الوثيقة بنودًا رئيسية منها: تغطية شاملة لكافة البضائع من نقطة الانطلاق حتى الوصول، سواء برًا أو بحرًا أو عبر السكك الحديدية. تعويض الأضرار الناجمة عن كوارث طبيعية أو سرقة أو حوادث أو انقطاع الطرق. تغطية المخاطر السياسية والعقوبات، كاحتجاز البضائع أو المعوّقات في الموانئ الخارجية. ضمان تعويض شركات النقل الإيرانية والروسية، وتسريع عملية التعويض عبر آلية تحكيم مشتركة.
ثقة المستثمرين واستقلال اقتصادي
من أبرز آثار هذا الاتفاق تعزيز ثقة المصدرين والمستثمرين الأجانب بهذا المسار التجاري. فقد شكّلت مسألة غياب التأمين الواضح والمستقر في السنوات الماضية إحدى أبرز العقبات أمام تطوير الاستثمارات في هذا الممر.
ويرى خبراء أن إنشاء آلية تأمين مستقلة بين إيران وروسيا يمثّل نقطة تحوّل نحو استقلال سلاسل التوريد في الشرق عن هيمنة الأنظمة المالية والتأمينية الغربية. إنها خطوة لا تقتصر على الأبعاد اللوجستية، بل تحمل في طيّاتها رسالة سياسية واقتصادية قوية إلى العالم.
ويعتقد بعض المحللين أن هذه الوثيقة قد تكون تمهيدًا لتشكيل تكتل تأميني إقليمي ضمن أطر مثل مجموعة بريكس أو منظمة شنغهاي للتعاون. وإذا ما انضمّت دول أخرى إلى هذا الهيكل، فقد يتحوّل ممر الشمال–الجنوب من مجرد مسار لوجستي إلى نظام تكاملي اقتصادي قائم بذاته.
اتفاق التأمين المشترك بين إيران وروسيا ليس مجرد وثيقة فنية، بل هو مؤشّر تحوّل استراتيجي في هيكلة الاقتصاد الإقليمي بعيدًا عن هيمنة الغرب، ولبنة أساسية في مشروع إعادة رسم خريطة التجارة والنقل العالمية من الشرق.
/انتهى/