خاص تسنيم.. "الجيش السري" الفلسطيني بين القوات الصهيونية/ أبواب مستودعات إسرائيل مفتوحة أمام المقاومين
قام المقاومون الفلسطينيون بتشكيل "جيش سري" ليمكنهم من الوصول إلى مستودعات الأسلحة والذخيرة الصهيونية لتأمين الأسلحة التي يحتاجونها.
في اليوم الذي طرح فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق إسحاق رابين الفكرة الأولية لبناء جدار الفصل في الأراضي المحتلة في عام 1992، لم يعتقد أحد أن هذه الفكرة المكلفة في الوقت والأموال ستنقلب ضده في يوم من الأيام.
كانت الحكومة الصهيونية تعتبر أن جدار الفصل هو أحد الطرق لمنع المقاتلين الفلسطينيين من الوصول إلى الأراضي المحتلة، ولكن بعد 10 سنوات من تصريحات رابين، بدأ هذا المشروع في عهد رئيس الوزراء الاسبق آرييل شارون عام 2002 ، حيث بني 6 جدران على الأقل وكان أهمها الجدار حول الضفة الغربية بطول 700 كلم.
بات عمل المقاومين الفلسطينيين، الذين كان بإمكانهم إرسال معداتهم أو عناصرهم الاستشهادية إلى المناطق المحتلة (على الرغم من صعوبة هذه العمليات وخطورتها لكنها كانت ممكنة)، صعباً بعد تثبيت جدار الفصل، لكن هذه الصعوبة كان لها بعض النتائج المهمة لهم. والتي سنتناول أحدها في هذا التقرير.
إذا كان الفلسطينيون يقفون في يوم من الأيام بالحجر وبعد ذلك بالمعدات البدائية للغاية أمام الجيش الصهيوني المتطور، اضطروا بعد إحداث جدار الفصل إلى الذهاب نحو الأسلحة الحديثة وبعيدة المدى، حيث كان الحصول على الصواريخ المناسبة من بين تلك الاجراءات.
أقبل الفلسطينيون على الصواريخ لاجتياز جدار الفصل وإلحاق الضربات الكبيرة بالمحتلين، والتي رأيناها في المعارك الأخيرة، وخاصة معركة سيف القدس.
ولكن في الأشهر الأخيرة، واجه الصهاينة تحديا كبيرا اذ جرى استهداف أمن سكان المناطق المحتلة مباشرة. حيث استهدف المقاومون الفلسطينيون أمن إسرائيل باستخدام أسلحة خفيفة، ووضع تنفيذ 6 عمليات استشهادية في المناطق المحتلة، الحكومة الإسرائيلية أمام تهديد خطير.
في غضون ذلك، برزت العمليات الفردية أكثر من غيرها. حيث كان المقاومون يدخلون المدن الصهيونية بأسلحة خفيفة ويطلقون النار، وفي بعض الحالات أجبر الصهاينة على ارسال أهم قوات الأمن الخاصة بهم للقبض على منفذي هذه العمليات - غالبيتهم شباب دون سن 30 عاماً، وبشكل رئيسي كانوا معتقلين سابقين لدى الأجهزة الامنية الاسرائيلية.
أثارت هذه العمليات موجة واسعة من الاحتجاجات في المناطق المحتلة، واتهم سكان تلك المناطق الحكومة بعدم القدرة على توفير الأمن.
كان السؤال المهم؛ كيف تدخل هذه الأسلحة إلى الأراضي المحتلة، والأهم من ذلك، كيف يمكن للفلسطينيين الحصول على هذه الأسلحة ونقلها عبر العديد من الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش واستخدامها في قلب تل أبيب ومدن أخرى؟
رغم أن دعم إيران للفصائل الفلسطينية، خاصة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، جعل الفصائل أقوى في المعارك المباشرة مع الصهاينة، وامتلاك الفلسطينيين اليوم صواريخ "عياش" بطول 250 كيلومترا. إلا أن اعداد الأسلحة الفردية وادخالها الى الأراضي المحتلة بطرق أخرى، وكما يتضح من المعلومات الاستخبارية، فإن الفلسطينيين لديهم الكثير ما يقولونه في تأمين واستخدام هذه المعدات.
تخضع الأراضي الفلسطينية، وخاصة غزة، لحصار كامل من قبل إسرائيل، ومن الصعب جدا عليهم شراء هذه المعدات وشرائها من دول أخرى، ولهذا اختارت الفصائل الفلسطينية طريقة أخرى لتحقيق هذا الهدف: "تأمين الأسلحة من الصهاينة".
فبحسب صحيفة "معاريف" الصهيونية، لجأت مجموعات فلسطينية إلى ثكنات الجيش الإسرائيلي لتأمين الأسلحة التي يحتاجونها بعد بناء حاجز بين إسرائيل ومصر (أحد الجدران الستة المبنية).
في السنوات الأخيرة، كما يتضح من العديد من الصور، كانت الفصائل الفلسطينية - وخاصة قواتها الخاصة - تستخدم معدات موجودة أيضا في حوزة الجيش والقوات الصهيونية.
تحصل هذه المجموعات على المعدات التي تحتاجها عبر ثلاثة طرق رئيسية: الأولى عن طريق دفع الأموال وشراء الأسلحة من عصابات تهريب الأسلحة في إسرائيل، والثانية عن طريق السطو على مخازن الذخيرة التابعة لهذا الكيان، والثالثة، تعاون بعض الجنود الإسرائيليين الصهاينة.
في الواقع، إن المهمة الرئيسية لـ "الجيش الفلسطيني السري" هذه الأيام هي تأمين الأسلحة من هذه المستودعات.
حيث أعلنت القناة 13 العبرية في 16 ديسمبر 2021 عن سرقة أكثر من 100 الف رصاصة من مستودع أسلحة M16 في لواء اسكندروني العسكري في شمال فلسطين، على الرغم من أن الشرطة الإسرائيلية قالت إن عملية السرقة كانت أكثر من 150 الف رصاصة.
يعد سلاح M16 أحد أكثر الأسلحة استخداماً على نطاق واسع في الجيش وبين القوات الصهيونية، ويستخدمه العديد من القوات.
وبحسب الخبراء في هذا المجال، وبعض المصادر الصهيونية، تم بيع الأسلحة المسروقة من المستودعات الإسرائيلية بشكل رئيسي إلى مجموعات المافيا.
يشار الى أن الكيان الصهيوني يستخدم بشكل مشترك مصطلح المافيا لليهود الذين يستخدمون الأسلحة بشكل غير قانوني وأفراد ومجموعات فلسطينية.
وفي تقرير آخر في مايو 2019 ، كتبت معاريف أنه خلال الشهر الماضي، سرق 46 سلاح M16 من قاعدة في منطقة غرب الجليل، حيث لم يتم العثور على الكثير منها اطلاقاً.
واستخدم بعض المقاومين الفلسطينيين وبعض منفذي العمليات الأخيرة نفس نموذج الأسلحة.
كان استخدام المقاومين الفلسطينيين لأسلحةM16 أو (النماذج المصنوعة على اساسها) كبيرا لدرجة كان بعض الشباب الفلسطينيين يرتدون في الأسابيع الأخيرة قمصان عليها صورة هذه الاسلحة، لكن أجهزة الأمن الإسرائيلية واجهت ذلك بقوة، وتم اعتقال هؤلاء الشباب وحجز تلك القمصان.
لا تقتصر عملية السطو على الأسلحة من المستودعات الصهيونية على الأسلحة الخفيفة الفردية فقط. بل كتبت صحيفة هاآرتس في تقرير عام 2012 أنه كانت هناك أيضا صواريخ مضادة للدبابات من بين الاسلحة الإسرائيلية المسروقة ( بقيمة 14 مليون دولار).
ويضيف التقرير أن سرقة قواعد الجيش قد زادت بشكل كبير، وغالباً ما يتم دخول اللصوص بسهولة من قبل البوابات الأمنية والمسيطر عليها ويسرقون المعدات العسكرية والرصاص والأسلحة والمولدات وحتى المركبات العسكرية.
والسؤال الأكبر هو؛ من هم الأشخاص الذين يخرجون هذه الأسلحة من المستودعات العسكرية الإسرائيلية وكيف تصل هذه المعدات إلى الفلسطينيين؟
بحسب ضابط في القسم اللوجستي في الجيش الإسرائيلي، فإن عمليات السطو في الغالب تحدث بالتعاون مع بعض عناصر الجيش في القواعد.
وذكرت صحيفة يديعوت احرونوت في ديسمبر 2020 أن عددًا كبيرًا من عناصر لواء جولاني المتمركز في مستوطنة كيسونيم الصهيونية تم طردهم بسبب كشف حجم كبير من المخدرات داخل هذا اللواء.
وفقاً للمصادر الإسرائيلية، فإن إدمان المخدرات بين أفراد الجيش الصهيوني في ارتفاع، وتحولت هذه القضية، خاصة منذ عام 2009 ، بعد قصة السطو على الأسلحة من قواعد الجيش الإسرائيلي، الى أحد أسباب تبادل الأسلحة والمال بين الفلسطينيين و ضباط الجيش الإسرائيلي.
كما كتبت صحيفة هاآرتس أنه في غضون خمس سنوات فقط (منذ عام 2009 إلى 2014) ، تم تسجيل 422 حالة سرقة للأسلحة، وبيعها بشكل رئيسي من قبل الجنود الإسرائيليين والضباط لمهربي الأسلحة. وفقاً لهاآرتس، تم في عام 2009، سرقة 122 سلاحاً وفي عام 2012 سرق 116 قطعة سلاح.
وتقول مصادر الاستخبارات الإسرائيلية إن غالبية الأسلحة المسروقة من الجيش كانت تتم تحت اشراف الفصائل الفلسطينية، وتم ضبط أكثر من 2200 قطعة سلاح منذ عام 2009.
وباعتراف وسائل الإعلام الصهيونية، وقعت 675 حالة إطلاق نار في أراضي عام 1948 فقط في عام 2021، وجرى استخدام الأسلحة المسروقة من الجيش الإسرائيلي في 463 حالة.
وذكر موقع عرب 48 أيضاً أن 70 في المائة من عمليات إطلاق النار في اسرائيل قد تمت بالاسلحة المسروقة من الجيش الإسرائيلي، في حين أن عملية السطو على الاسلحة الإسرائيلية زادت بنسبة 22 في المائة سنوياً منذ عام 2013؛ حدث وصفته صحيفة يديعوت احرونوت، بأنه أصبح أمراً معتاداً في الوقت الراهن.
تحولت سرقة هذه الأسلحة ونقلها إلى الجماعات الفلسطينية المقاومة اليوم الى أحد أهم مخاوف النظام الأمني الإسرائيلي. حيث قالت بعض مصادر الشرطة لـ يديعوت احرونوت: قلقنا الأكبر هو أن هذه الذخيرة والأسلحة التي سُرقت سابقًا سيتم تسليمها إلى الجماعات الفلسطينية.
/انتهى/