خاص / السفير الإيراني في بيروت يروي عن الأيام المليئة بالتوتر بعد "طوفان الأقصى"
اجرت وكالة تسنيم الدولية للانباء حوارا مع السفير الإيراني في بيروت مجتبى اماني، الذي حلل مسار تطورات معركة "طوفان الأقصى" والضربات القاصمة التي وجهها مجاهدو المقاومة الفلسطينية لجسم الكيان الصهيوني، مستعرضًا سجل المقاومة الإسلامية في لبنان المشرف في جبهة دعم اهالي غزة المظلومين.
ويعد "مجتبى أماني"، الدبلوماسي الإيراني المخضرم وسفير إيران في بيروت، أحد رواة تطورات محور المقاومة، خاصة منذ بدء هذه العملية على يد المجاهدين الفلسطينيين وتلاحقها بمشاركة مقاتلي حزب الله الأبطال في جبهة الدعم والمساندة لقطاع غزة.
كان أماني من بين الذين أصيبوا بجروح خلال العملية الإرهابية لانفجار أجهزة "البيجر" في الأيام التي سبقت استشهاد الأمين العام لحزب الله على يد الكيان الصهيوني، ولكن رغم الإصابات الجسدية البليغة، وعندما رأى الوضع شديد الخطورة في لبنان وتطورات المنطقة خاصة غزة، عاد بسرعة مرة أخرى إلى مكان مهمته ليكون حاملًا لرسالة استمرار الدعم المعنوي والسياسي الإيراني لجبهة المقاومة، خاصة حماس وحزب الله، في مواجهة عدوان الكيان الصهيوني الوحشي في لبنان وفي جميع أنحاء منطقة غرب آسيا.
وحلل السفير اماني في هذا الحوار مسار تطورات معركة "طوفان الأقصى" والضربات التي لا تُنسى لمجاهدي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على جسم الكيان الصهيوني، مستعرضًا سجل المقاومة الإسلامية في لبنان المشرف خلال هذه المعركة، خاصة في جبهة دعم ومساندة الشعب المظلوم في غزة.
إن تقارب أيام ذكرى "طوفان الأقصى" مع أيام استشهاد السيد حسن نصر الله جعله في جزء من هذا الحوار يستعرض ذكرياته عن سنوات المصاحبة لسيد المقاومة وقادة ومقاتلي حزب الله. وسيتم تقديم نص هذا الحوار الكامل لاحقًا لمتابعي تسنيم.
تسنيم: سعادة السفير أماني، سفير الجمهورية الإسلامية الايرانية المحترم في بيروت، أحييكم وأشكركم لقبولكم دعوتنا لإجراء هذا الحوار. مر عامان على الضربة التي لا تُرمم والتي وجهها "طوفان الأقصى" لجسم الكيان الصهيوني المتعطش للدماء، ولا يزال هذا الكيان يسعى من خلال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وغير إنسانية مثل تلك التي شهدناها في غزة، والاعتماد على سياسة الاغتيال كما حدث في حادثة استشهاد سيد المقاومة، إلى محو آثار هذه الهزيمة والمفاجأة الأمنية والمعلوماتية من أذهان المستوطنين الصهاينة. مع مرور الوقت واتضاح خطط أعداء المقاومة الإقليميين والدوليين، كيف تحللون أهداف الكيان الصهيوني من تخطيط وتنفيذ هذا الاغتيال؟
أماني: بسم الله الرحمن الرحيم، لطالما نظم الكيان الصهيوني استراتيجيته الحربية على أساس أنه يجب أن يحقق النجاح في كل معركة أو مواجهة. ينبع هذا النهج من عقيدة هذا الكيان وتعاليم الصهاينة التلمودية التي تؤكد على أن الإجراءات العسكرية يجب أن تكون بحيث تحدد نتيجة الحرب لصالح هذا الكيان بشكل حاسم وواضح ومفهوم للرأي العام العالمي. عرض هذا الكيان هذه السمة الاستراتيجية في حالات عديدة، خاصة في الحروب بعد احتلال فلسطين، مثل حربَي عام 1967 و1973، وباتباعه احتلال مناطق وإلحاق ضربات قاسية، اتبع في بعض العمليات أيضًا مثل هذا المسار الحاسم.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أخفق الكيان المحتل للقدس في تحقيق انتصارات حاسمة، وظلت الاستراتيجية المذكورة عقيمة في تحقيق أهداف هذا الكيان. مع بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تعرض الكيان الصهيوني للإذلال الشديد؛ لأنه للمرة الأولى لم يكن عدد قتلى هذا الكيان يختلف بشكل ملحوظ عن عدد شهداء الطرف المقابل.
خلال عملية "طوفان الأقصى"، قُتل حوالي 1200 مستوطن وعسكري صهيوني، وفي المقابل استشهد 1600 مقاتل من حماس. علاوة على ذلك، أدت هجمات وتسلل قوات المقاومة الفلسطينية إلى عمق الأراضي المحتلة إلى نقل عدد من الأفراد التابعين للكيان الصهيوني إلى داخل غزة، مما وجه ضربة قاسية لسمعة الصهاينة. بعد هذا الإنجاز العسكري للمقاومة، نشطت جبهات أخرى منها لبنان، ودخلت قوات المقاومة في اليمن والعراق في مواجهة الصهاينة. كما وقعت معارك وأعمال مقاومة في الضفة الغربية أرغمت الكيان على مواصلة جرائمه في غزة.
في هذا الإطار، سعى الصهاينة إلى تحقيق نصر سريع وحاسم. كان إجراءهم الأول لتحقيق هذا الهدف هو الهجوم على غزة؛ لدرجة أنه في الأيام الأولى لهذا العدوان، استشهد يوميًا بين 300 إلى 400 من أهالي غزة ليحقق الكيان - حسب زعمه - النصر الحاسم، ولكن هذه السياسة لم تنجح، لأن حماس واصلت إطلاق صواريخها على عمق الأراضي المحتلة.
في الخطوة التالية، اتجه الكيان الصهيوني إلى لبن ورتب إجراءات إجرامية هناك، معتقدًا أن كل واحدة من هذه الجرائم يمكن أن تحقق استراتيجية النصر الحازم التي ينشدها نتنياهو وحكومته وجيش هذا الكيان. ولكن كما أشرت سابقًا، من وقت انتصار الثورة الإسلامية حتى عام 2023، لم يحقق الكيان الصهيوني أي نصر حاسم، وفي حربي عام 1996 و2006 وكذلك في المعارك المتعددة مع حماس، اضطر بعد عدة أيام من المواجهة إلى قبول اتفاق وإنهاء المعركة.
حزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، لبنان، الكيان الصهيوني (إسرائيل)، بيروت،
ومع ذلك، مع العملية الإرهابية لانفجار أجهزة "البيجر"، اتجهت التحليلات إلى أن الكيان الصهيوني كان يتوقع إجبار حزب الله اللبناني على الاستسلام وقبول الهزيمة. نبع هذا التصور من اعتقاد الصهاينة أن إلحاق خسائر وإصابات بأكثر من 3000 شخص، يمكن أن يشغل جزءًا كبيرًا من طاقة البلد المستهدف بعلاج الجرحى والاهتمام بهم، ويشغل القوى الطبية والعائلات، بحيث ينشغلوا عمليًا عن جبهات القتال في جنوب لبنان. ومع ذلك، حتى هذه الجريمة الكبرى لم تستطع تحقيق الاستراتيجية التي ينشدها الصهاينة.
وبعد هذا، شاهدنا قيام الكيان الصهيوني بإسقاط 80 طنًا من القنابل واستهداف مكان إقامة الشهيد السيد حسن نصر الله بأقصى أشكال القصف الجوي، ما أدى إلى استشهاده. خلقت الانفجارات الهائلة وسقوط الصواريخ والقنابل الثقيلة مشهدًا مرعبًا في المنطقة، وكان الكيان الصهيوني يعتقد أنه بهذه العملية والإعلان عن خبر استشهاد السيد حسن نصر الله، ستتوقف الحرب لصالحه وسيقبل حزب الله بالهزيمة، ولكن بحمد الله فشل هذا الهدف الخبيث للصهاينة أيضًا.
تسنيم: بعد استشهاد السيد حسن نصر الله والشهيد السيد هاشم صفي الدين، الأمينين العامين لحزب الله، واستشهاد وإصابة العديد من القادة الكبار وكذلك مجاهدي المقاومة خلال العملية الإرهابية للبيجر، كان تحليل الكيان الصهيوني يقول إن طريق محور المقاومة وحزب الله قد وصل إلى نهايته. ومع ذلك، لا يزال استمرار وجود حزب الله وسلاح المقاومة يشكل الهاجس الرئيسي لقادة تل أبيب وأمريكا. كسفير للجمهورية الإسلامية في بيروت، كيف تنظرون إلى مستقبل طريق المقاومة في لبنان رغم كل الهجمات والضغوط الداخلية والإقليمية والدولية؟
أماني: مقاومة حزب الله ضد الكيان الصهيوني موجودة منذ زمنبعيد وهي لا تزال مستمرة. تصور الكيان الصهيوني أنه ببدء حرب برية يمكنه تحقيق أهدافه. لهذا السبب، أشعل معركة شرسة وواسعة النطاق في جنوب لبنان، لدرجة أنه لاستهداف كل مقاتل، كان يستخدم صواريخ تكلف مئات الآلاف من الدولارات.
علاوة على ذلك، أنشأ جيش الاحتلال نوعًا من المدفعية الجوية لاستهداف أي حركة أو وجود لمقاتلي المقاومة في جنوب لبنان وتمهيد الأرضية لاحتلال تلك المناطق. من وجهة نظر الكيان، يمكن لهذا الاحتلال الإقليمي أن يحقق الاستراتيجية المنشودة للوصول إلى نصر قطعي ومؤكد، ولكن هذه المحاولة أيضًا واجهت الفشل، وظل حزب الله قادرًا على استهداف عمق الأراضي التي تحتلها قوات الكيان الصهيوني بصواريخه.
بالتوازي مع هذه العملية، كان استهداف القادة الجهاديين لحزب الله أيضًا على جدول أعمال الكيان الصهيوني، ولكن هذا الإجراء أيضًا لم يستطع تحقيق النتيجة المتوقعة للإعلان عن نصر حازم أمام الرأي العام العالمي. أدت هذه الظروف مجتمعة إلى أن الكيان الصهيوني، بعد مرور قرابة العامين، لا يزال منخرطًا في القتال في ثمانية جبهات مختلفة ولم يستطع سوى خلق صورة وهمية للانتصار في أحد المجالات، وهو سوريا، للرأي العام الداخلي وأنصاره الدوليين؛ مجال تمكن فيه من إلحاق الضرر بهذا البلد، ونظرًا لعجز سوريا عن تقديم أي رد فعال، فرض الصهاينة الشروط التي يريدونها.
تسنيم: كيف علمتم بخبر استشهاد السيد حسن نصر الله، خاصة أنكم كنتم في تلك الأيام من بين المصابين في العملية الإرهابية للبيجر وكنتم تخضعون للعلاج والنقاهة؟
أماني: في تلك الأيام، بسبب وضعي الصحي وضماد العينين، كانت لدي اتصالات مرئية محدودة، وكنت في طهران، أتابع أخبار لبنان في المستشفى أو المنزل غالبًا. كان واضحًا أن الكيان الصهيوني، بعد عملية انفجار أجهزة البيجر، كان يسعى لفرض ضغط عسكري هائل والدخول في مستوى من جرائم الحرب مشابه لتلك العملية. كان هناك 10 أيام تفصل بين انفجار البيجر واستشهاد السيد حسن نصر الله. الروايات التي سمعتها عن مكان القصف أظهرت أن اي كائن حي، حتى في دائرة نصف قطرها 10 إلى 20 مترًا من مكان الانفجار، لم ينجوا من تبعاته.
بالطبع يجب أن أعترف، نظرًا للعلاقة الشخصية والذكريات الكثيرة التي كانت في ذهني من فترة وجودي في لبنان ومرافقة الشهيد السيد حسن نصر الله، كان تقبل خبر استشهاده صعبًا جدًا عليّ؛ كما كان تقبل هذه المسألة مريرًا ومؤلمًا لعامة الشعب اللبناني أيضًا. ولكن عندما تم تأكيد خبر استشهاد سيد المقاومة بشكل رسمي من قبل حزب الله ونشرت رسالة التعزية من قبل قائد الثورة الإسلامية، أصبح واضحًا للجميع أنه نال شرف الشهادة في تلك العملية الإرهابية.
بعض الأسماء التي وردت بين الشهداء كانت مألوفة لدي، ولكن في ذلك الوقت لم تكن لدي إمكانية مطابقة الوجوه، ولكن بعد رفع الضماد عن العينين وإتاحة فرصة رؤية الصور، استطعت في صور شهداء هذه الحادثة التعرف على وجوه مألوفة بجانب السيد؛ من بينهم الحاج جهاد، مدير مكتب الأمين العام لحزب الله، الذي كان من الشخصيات النموذجية المتميزة وعضوًا مؤثرًا في عائلة المقاومة.
قبل حوالي أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من استشهاد السيد حسن نصر الله، استشهد أيضًا نجل الحاج جواد - مدير مكتب الأمين العام لحزب الله. سمعت لاحقًا أن الحاج جهاد نفسه كان قد صرح قائلاً: "قريبًا سألتحق بالسيد". في النهاية استشهد الحاج جهاد بعد فترة قصيرة من ذلك، وأصيب أحد أبنائه الآخرين أيضًا خلال عملية انفجار البيجر.
نظرًا للعلاقات الواسعة والذكريات المشتركة مع رئيس مكتب الشهيد السيد حسن نصر الله، كانت هذه المجموعة من الأحداث ثقيلة جدًا علينا، ونعتبر استشهاد هؤلاء الكرام نعمة سامية وفلاحًا عظيمًا في طريق المقاومة والدفاع عن الحق.
تسنيم: من أين بدأت معرفتكم بسيد المقاومة، ومتى حدث أول لقاء لكم؟
أماني: أول لقاء لي مع الشهيد السيد حسن نصر الله، أعتقد أنه يعود إلى عام 2002 ، تم هذا اللقاء مع مجموعة من الأصدقاء، في شكل مجموعة صغيرة من خمسة أو ستة أفراد وخارج إطار وزارة الخارجية. كان السيد متواجدا في طهران، وتم هذا اللقاء في جو حميم ومحدود.
في ذلك الوقت، لم أتخيل أبدًا أن قدر الله سيكتب لي علاقات مستمرة وطويلة الأمد مع ذلك السيد الكبير في واحدة من أكثر الفترات السياسية والأمنية توترًا. خلال هذه الفترة، عقدت حوالي 100 جلسة معه، كانت كل جلسة في المتوسط تستمر من أربع إلى خمس ساعات وبعضها وصلت حتى إلى ثماني ساعات. بدأت هذه اللقاءات في تلك الأيام، ثم خلال حرب الـ 33 يومًا والأحداث المهمة الأخرى في لبنان، استمر متابعة أخباره واللقاءات.
بعد ذهابي إلى لبنان، في الليلة الأولى لوصولي إلى المنزل وكان يوم الخميس، أُبلغتُ أن السيد يطلب التحدث معي هاتفيًا. رحب بي وأرسل ممثلين لاستقبال سفير الجمهورية الإسلامية الايرانية في المطار. بعد ثلاثة أيام، يوم الاثنين، ذهبت مع عائلتي لزيارته، ومنذ ذلك الوقت، فتح باب الحوارات والاتصالات المنتظمة معه.
استمرت هذه اللقاءات حتى آخر لقاء مباشر لي الذي تم قبل حوالي 20 يومًا أو شهر من حادثة إصابتي الناتجة عن انفجار البيجر. آخر حوار هاتفي أيضًا، كان قبل يوم واحد من انفجار البيجر، حيث تحدثت معه. هذه كانت بداية ونهاية اتصالاتي في هذه الدنيا مع الشهيد السيد حسن نصر الله التي تمت بمشيئة الله، لكن أتمنى أن يمن الله تعالى علي في عالم الآخرة بصحبة الشهداء، خاصة هذا الشهيد العظيم.
تسنيم: سعادة السيد أماني، كيف تقيمون دور السيد حسن نصر الله والمقاومة الإسلامية في لبنان خلال العامين الماضيين من المعركة ضد الكيان الصهيوني في الدفاع عن قضية فلسطين والشعب المظلوم في غزة؟ إلى أي درجة كان مشاركة حزب الله في هذه المعركة فعالة في نصر وإعانة مقاتلي المقاومة الفلسطينية؟
أماني: بعد عملية 7 أكتوبر، كان واضحًا أنه لم يكن هناك تنسيق مسبق محدد بين حماس وحزب الله والأطراف الأخرى. السيد حسن نصر الله، مع علمه بالأخبار وبعد بدء هجمات الكيان الصهيوني على غزة - التي أدت في الأيام الأولى إلى استشهاد 300 إلى 400 مواطن فلسطيني وبعدها مع زيادة الجرائم، استشهد يوميًا أعداد كبيرة من شعب غزة - قرر الدخول في معركة دعم غزة. هذا الإجراء كان يعني الدعم والمساندة خلف الجبهة للمقاومة في غزة.
بدأ السيد حسن هذه المعركة كمهمة ليشغل الكيان الصهيوني في جبهة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة. هذا القرار، كان جذوره في الإيمان والاعتقاد العميق لديه بالدفاع عن المظلومين وضرورة استخدام كل وسيلة ممكنة لتخفيف الضغط عن اهالي غزة. بالنسبة له كانت حرية القدس الشريف، كقضية محورية، في مقدمة الأهداف، وعلى هذا الأساس كان يسعى إلى منع تركيز الوحدات القتالية لهذا الكيان في جبهة غزة من خلال شغله في شمال فلسطين المحتلة.
خلق وجود حزب الله في جبهة الشمال قيودًا تشغيلية خطيرة للكيان الصهيوني، وكعامل مزعج ورادع، منع هذا الكيان من أن يتمكن من متابعة سياساته التخويفية والإجراءات العسكرية التي يريدها في غزة بشكل كامل. الوجه الآخر لهذا الإجراء، كان التضامن الواضح بين التيار الشيعي لحزب الله وإخوانهم أهل السنة في المقاومة الفلسطينية، الذي كان يُعتبر فخرًا للعالم الإسلامي والتشيع.
بالطبع يجب أن أؤكد أن السيد حسن نصر الله لم يتوقع أبدًا أجرًا أو مكافأة على هذا الجهاد، ودخل بسخاء، مع جميع قادته، إلى ساحة هذه المعركة. حتى في زمان حياته في هذه الحرب، ضحى الكثير من القادة ذوي الخبرة والرفاق القدامى - سواء بسبب الاغتيال في سياراتهم الشخصية أو في الأماكن العامة في جنوب لبنان، أو في العمليات المستهدفة اللاحقة مثل اغتيال الشهيد محسن (فؤاد) شكر، واستشهاد الشهيد عبد القادر وما يقارب 20 قائدًا جهاديًا لبنانيًا في منطقة الضاحية - بأرواحهم. أظهرت هذه السلسلة من الأحداث إلى أي مدى كان حزب الله مستعدًا لتحمل التكلفة الباهظة للدفاع عن اهالي غزة المظلومين.
تسنيم: قدم الشهيد السيد نصر الله والعديد من قادة ومقاتلي المقاومة الإسلامية في لبنان أرواحهم في طريق الدفاع عن قضية فلسطين والقدس الشريف. برأيكم، ما تأثير هذا الأمر على فهم وإدراك الرأي العام في دول العالم العربي والإسلامي للمقاومة الإسلامية في لبنان؟
أماني: كان الكيان الصهيوني، من خلال خطط نفذها بالتعاون مع الولايات المتحدة، وخاصة بعد الأحداث الدموية لسنوات عديدة في سوريا - التي شتت انتباه العالم الإسلامي والرأي العام عن قضية فلسطين والقدس وقضية تحرير فلسطين - يعتقد أنه في ظل هذا الانشغال، يمكنه من خلال تنفيذ خطط مثل "صفقة القرن" و"اتفاقية إبراهيم" (اتفاقيتان مكملتان من وجهة نظر تل أبيب وواشنطن) حل قضية فلسطين لصالحه إلى الأبد.
كان من المفترض بناءً على صفقة القرن، نقل جميع الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة، بما فيها غزة والضفة الغربية، إلى مناطق أخرى، حتى أن مواقع متعددة لهذا النقل تم تحديدها وكان يتم التطرق لها في الأوساط السياسية والإعلامية. أما اتفاقية إبراهيم فقد صُممت في إطار فكرة قائمة على توحيد "الدين السماوي للنبي إبراهيم عليه السلام" لتقديم الكيان الصهيوني والتيار الصهيوني المدعوم منه كمحور مشترك في المنطقة. هذه الخطة، التي كانت تقوم على استغلال الديانة اليهودية ودمج الصهيونية معها، كانت تسعى من خلال الاعتماد الظاهري على نبوة النبي موسى (ع) - المقبولة لدى المسيحيين والمسلمين - إلى خلق فضاء مشترك. بينما الصهاينة في الجانب المقابل لا يؤمنون بنبوة السيد المسيح (ع) أو نبوة النبي محمد (ص) وكانوا يريدون بالمكر إعادة المرجعية التاريخية إلى عصر السيد موسى (ع) والادعاء بانه لم يأت نبي من بعده. الهدف النهائي لهذه الخطة هو تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة وتنفيذ سياسة "إسرائيل الكبرى" التي كان قادة هذا الكيان يسعون لتحقيقها منذ تأسيسه في 1948.
ولكن في غضون ذلك، أعادت عملية "طوفان الأقصى" الموضوع الفلسطيني فجأة إلى صدارة الأولويات العالمية. هذا الإجراء بدعم من حزب الله، ومجاهدي العراق، ودعم اليمنيين، ومشاركة - وإن كانت محدودة - لحكومة بشار الأسد من سوريا، وانضمام الضفة الغربية وكذلك دخول حزب الله إلى المعركة، حوّل فلسطين فجأة إلى قضية محل إجماع الجميع في العالم الإسلامي وخارجه.
كان نتنياهو يظن أنه من خلال اتخاذ إجراءات عنيفة وإجرامية يمكنه السيطرة مرة أخرى على الفضاء الإعلامي والرأي العام؛ ولكن أوضاع الكيان أصبحت أكثر أزمة، واضطرت تل أبيب تحت ذرائع مختلفة إلى توسيع نطاق الحرب واللجوء إلى إجراءات مثل الهجوم على اليمن والعراق واستهداف جماعات المقاومة في هذه البلدان، وتكثيف الهجمات ضد حزب الله، بالإضافة إلى ذلك، شن عمليات عسكرية واسعة النطاق واحتلال أراض في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. بالطبع خلال هذا، وقعت هجمات أيضًا ضد إيران وكان للولايات المتحدة مشاركة مباشرة فيها.
رغم كل هذه الضغوط، أصبحت قضية فلسطين اليوم الموضوع الأول للعالم الإسلامي في صدارة الاهتمامات، وأصبح الكيان الصهيوني في عزلة شديدة؛ لدرجة أن نتنياهو نفسه في تصريحاته الرسمية، وبالسخرية، يخاطب الدول الأوروبية، ويذكرهم بأنكم تركتم إسرائيل وحدها. يبدو أن حتى دونالد ترامب، رغم كل مسانداته ودعمه لنتنياهو، لم يحقق في الساحة الواقعية إنجازًا ذا قيمة من مرافقته لجرائم رئيس وزراء الكيان الصهيوني. بشكل عام، جعلت هذه التطورات ودم الشهداء، هذه القضية المقدسة الإنسانية، أي تحرير فلسطين، تستعيد مكانتها مرة أخرى على المستوى العالمي والإسلامي.
تسنيم: سعادة السيد أماني، مرة أخرى أشكركم لقبولكم دعوة وكالة أنباء تسنيم لإجراء هذا الحوار، ونتمنى لكم الصحة والمزيد من التوفيق.
أماني: وأنا أيضًا أشكركم.
/انتهى/