الشيخ غازي حنينة لـ"تسنيم": السلاح باقٍ بيد المقاومة الإسلامية.. حزب الله حاضر بقوة في جميع الميادين

الشیخ غازی حنینة لـ"تسنیم": السلاح باقٍ بید المقاومة الإسلامیة.. حزب الله حاضر بقوة فی جمیع المیادین

أكد رئيس مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين في لبنان أن حزب الله، إلى جانب دفاعه المستمر عن فلسطين، لم يتخلّ يوماً عن دوره الوطني في لبنان وسيبقى ثابتاً في هذا المسار.

وأجرت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصرالله، سلسلة مقابلات مع قيادات حزب الله وشخصيات مقربة من محور المقاومة في لبنان، كان من بينها حوار مع الشيخ غازي حنينة، رئيس مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين في لبنان.

في هذا الحوار، تطرّق الشيخ حنينة إلى مكانة القضية الفلسطينية لدى سيد شهداء المقاومة وحزب الله، وإلى دور هذا الحزب في مواجهة العدو الصهيوني وكذلك في الشأن الداخلي اللبناني. وأبرز ما جاء في حديثه:

حزب الله، إلى جانب اهتمامه الكبير بالقضية الفلسطينية، ظل على الدوام منشغلاً بعمق بأوضاع لبنان، وبذل جهوداً حثيثة لتأمين التوازن في العلاقات بين مختلف الطوائف اللبنانية على المستويات السياسية والمذهبية والدينية.

حافظ حزب الله باستمرار على أفضل العلاقات مع أهل السنة وكذلك مع الإخوة المسيحيين والدروز وسائر القوى الوطنية في البلاد.

الشهيد السيد حسن نصرالله خلّف إرثاً عظيماً ما زال حاضراً حتى اليوم، وسيبقى منارة للدفاع الصلب عن المقاومة.

تحول الشهيد السيد حسن نصرالله من قائد سياسي محلي إلى فاعل إقليمي مؤثر في العالمين العربي والإسلامي.

السلاح سيبقى في يد حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان، فيما تستمر قوة الحزب العسكرية والسياسية قائمة وراسخة.

وفي ما يلي النص الكامل للحوار:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار الميامين، وعلى جميع عباد الله الصالحين.

بدايةً خالص العزاء بشهداء المقاومة، وشهيدنا الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، ورفيقه سماحة السيد هاشم صفي الدين رضوان الله عليه، وقادة المقاومة وكل شهداء المقاومة على أرض لبنان وفلسطين الحبيبة.

القضية الفلسطينية كانت إحدى المرتكزات الأساسية في ثورة الإمام الخميني رحمه الله عليه، ولذلك نجد أن الكلام عن القضية الفلسطينية أمر مرتكز داخل الدستور الإيراني، ولم يكتفِ بأن يكون دستورياً فقط، بل تحوّل إلى سياسة استراتيجية على مدار سنوات طويلة من عمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ولذلك عندما اجتاحت القوات الصهيونية الأراضي اللبنانية عام 1982، قامت مجموعة من الشباب اللبناني من كافة الطوائف اللبنانية والأحزاب اللبنانية بمواجهة هذا العدو الصهيوني ودحره إلى ما بعد مدينة النبطية، واستقر الأمر به فيما سُمّي بعد ذلك بالشريط الحدودي.

على مدى 18 عاماً كانت هذه 18 عاماً مليئة بالإعداد والتجهيز على مستوى المواجهة مع العدو الصهيوني، وكان أبرز تلك المجموعات المقاومة، المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله، والتي قادها في أول أمر سماحة السيد الشهيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه، ثم خَلَفَه بعد ذلك سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، الذي كان على مدى أكثر من 32 عاماً الأمين العام لحزب الله وقائد المقاومة الإسلامية في مواجهة العدو الصهيوني.

ولذلك فإن دخول حزب الله لم يكن دخولاً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، وإنما كان دخوله مبنياً على عقيدة إيمانية أن أرض فلسطين، وأن هذا العدو الصهيوني الذي وصفه الله سبحانه… أرض فلسطين أرض الأنبياء وأرض الإسراء والمعراج وأرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن هذا العدو الصهيوني هو أشد الناس عداوةً للذين آمنوا كما ورد في القرآن الكريم: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾.

ولذلك مثّلت قضية فلسطين وقضية القدس عاملاً أساسياً في تقدم حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان، باعتبار أن الجنوب يشكّل غالبية عظمى من السادة الإمامية الشيعة.

وحزب الله لم يكن يعني شيعياً بالمعنى المذهبي فقط، وإنما كان إسلامياً، حيث انفتح على المجموعات الإسلامية الأخرى من السنة وبقية المذاهب الإسلامية أيضاً. ولذلك نجد أن حزب الله كان دوره محوري في قضية فلسطين وقضية القدس.

منذ بداية الثورة الإسلامية أعلن الإمام الخميني رحمه الله عليه أن هذا العدو الصهيوني «الغدة السرطانية» يجب أن تزول، وأن هذا العدو الصهيوني يشكل خطراً كبيراً على المنطقة العربية والإسلامية، فهو يمثل القاعدة العسكرية التي يعتمدها الغرب في مواجهة قوى التحرر والمقاومة في المنطقة. أضف إلى ذلك أن الإمام المغيب السيد موسى الصدر قال قوله المشهور: إن إسرائيل شر مطلق. ولذلك كان الإعداد الأيديولوجي لدى شباب لبنان عامةً، وعند أتباع المذهب الإمامي الاثني عشري خاصةً، بمثابة دافع أيديولوجي واستراتيجي لمواجهة العدو الصهيوني على أرض فلسطين وفي جنوب لبنان بالذات.

كان الصهاينة يعتدون على لبنان دائماً منذ بداية احتلال فلسطين

أضف إلى ذلك المكانة الخطرة والمستمرة التي شكلتها إسرائيل على لبنان، حيث أن هذا العدو الصهيوني قبل قيام المقاومة الإسلامية وقبل وجود المقاومة الفلسطينية على أرض لبنان قام بمجموعة من المجازر تجاه الشعب اللبناني، من مجزرة حولا عام 1948 التي استشهد فيها أكثر من تسعين شخصًا قُتلوا داخل إحدى المساجد. أضف إلى ذلك أن هذا العدو الصهيوني كرّر عدوانه على الجنوب والعالم العربي، وللأسف كان العالم كله صامتًا وحتى الحكومة في لبنان كانت صامتة إلى درجة كبيرة.

كما قام هذا العدو في عام 1969 بشن غارة جوية على مطار بيروت فدمّر 13 طائرة مدنية تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط على أرض المطار. كل هذا يؤكد أن أفعال هذا العدو كانت دافعًا إضافيًا للاعتقاد بأنّه يشكّل خطرًا وعداوةً لأبناء الأمة العربية والإسلامية، ولذلك شكّل كل ذلك حقيقةً وعاملًا أساسيًا في اندفاع المقاومة الإسلامية في لبنان واستمرارها، وإن شاء الله حتى تحقيق النصر وإزالة هذا الكيان الصهيوني.

خدمات وإنجازات حزب الله داخل لبنان

يعني أنّه بالقدر الذي كان حزب الله يركز فيه على المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني منذ أوائل انطلاقته وتحركه على الأراضي اللبنانية، انطلاقًا من بيروت ثم بعد ذلك خلدة – مدينة خلدة على الساحل اللبناني – ثم بعد ذلك منطقة الجبل وصيدا وصور وصولًا إلى الشريط الحدودي، كل ذلك لم يمنعه من أن يهتم بالواقع اللبناني الداخلي على مستويات متعددة.

فعلى المستوى الاجتماعي، أقام حزب الله العديد من المؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية والدينية والاجتماعية والإغاثية والصحية، من مستوصفات ومستشفيات وجامعات ومدارس وحوزات دينية وحسينيات ومساجد.

أما على المستوى السياسي، فقد كان حزب الله مشاركًا في الانتخابات النيابية منذ عام 1992 بحضور قوي داخل المجتمع اللبناني، وبنى علاقات سياسية وتحالفات مع قوى متعددة على كامل الأراضي اللبنانية. وبعد استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، شارك حزب الله في الحكومة اللبنانية وما زال مشاركًا حتى اليوم.

هذا كله يؤكد اهتمام حزب الله بالواقع اللبناني وتنمية المجتمع اللبناني عمومًا، من شماله إلى جنوبه، ومن عاصمته بيروت إلى جبله وبقاعه. فحزب الله، بقدر اهتمامه بالقضية الفلسطينية، كان يهتم كثيرًا بالواقع اللبناني، ويبذل جهدًا كبيرًا في ترتيب العلاقات بين مختلف المكونات اللبنانية على المستوى السياسي والطائفي والمذهبي. ولذلك بنى أفضل العلاقات مع أهل السنة، وأفضل العلاقات مع الإخوة المسيحيين، وأفضل العلاقات مع الإخوة الدروز، وكذلك مع القوى الوطنية والقومية والناصرية.

ولذلك، ليس من حق أحد أن ينتقد حزب الله على اهتمامه بالقضية الفلسطينية، لأنه كان – في الوقت نفسه – يهتم كثيرًا بالواقع اللبناني ولم يتخلَّ عن مسؤولياته الوطنية.

حزب الله هزم المشروع الأميركي الصهيوني لـ"الشرق الأوسط الجديد"

العدو في الدول الغربية، أي المجموعات الغربية تاريخيًا، وفي مقدمتها المملكة المتحدة (بريطانيا) ومعها فرنسا، كانتا تشكلان رأس حربة في مواجهة الأمة العربية والإسلامية. وبريطانيا هي التي أكدت وجود الصهاينة على أرض فلسطين، وبعد ذلك جاءت دول أخرى كالاتحاد السوفيتي وفرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ودول غربية أخرى ساهمت في قيام هذا الكيان الصهيوني المصطنع على أرض فلسطين والمدعوم بمليارات الدولارات، وللأسف كان كثير من هذه المليارات يأتي من دول عربية خليجية كانت تُحوَّل بطريقة ما إلى العدو الصهيوني، حتى تحول هذا العدو الصهيوني إلى حيوان مفترس يريد ابتلاع المنطقة.

أُضيف إلى ذلك الدعم الذي تلقاه بالمفاعل النووي (ديمونة) من قبل فرنسا في خمسينيات القرن الماضي. ولذلك نقول إن خطورة هذا الكيان جعلت من الضرورة أن يكون حزب الله مشاركًا في الحرب تجاه هذا العدو الصهيوني، وأن يكون عاملًا أساسيًا في صدّ حركته التوسعية.

ولذلك في حرب تموز عام 2006 أسقط ما سُمّي يومها بـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد" الذي كان يحمله شمعون بيريز، وجاءت بعد ذلك كونداليزا رايس لتؤكد العمل على ما سُمّي بمشروع الشرق الأوسط الجديد، والعالم كله يشهد بذلك. ومن هنا كان تدخل حزب الله أمرًا ضروريًا في مواجهة العدو الصهيوني، حيث أفشل العديد من المخططات الأمريكية التي كانت بريطانيا قد وضعت أسسها منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأكملتها الولايات المتحدة الأمريكية بدعم وتقوية هذا الكيان.

ولذلك كان لحزب الله الأثر الكبير في إفشال المخططات الأمريكية والغربية – البريطانية، الفرنسية، والألمانية. ومن هنا نقول إن حزب الله كان ضرورة شرعية وفريضة شرعية، وضرورة مصلحية.

الشهيد نصرالله أعطى للقضية الفلسطينية بعداً خاصاً

السيد حسن رحمه الله عليه، في الحقيقة، خلال عمره الذي أمضاه كقائد وأمين عام لحزب الله وقائد للمقاومة الإسلامية في لبنان، وفاعل أساسي في محور المقاومة على مدى 32 عامًا، أعطى بعدًا خاصًا للقضية الفلسطينية، وأرسى ثقافة جديدة للمشروع الإسلامي في المنطقة. إذ إن الاتجاهات الإسلامية الأخرى لم تستطع أن تمنح القضية الفلسطينية خارج فلسطين ذلك البعد الذي أعطاه سماحة السيد حسن بخطابه الإسلامي المتجدد، المستلهم من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها».

سماحة السيد حسن، المعمم الملتحي، الذي يلبس الجبة والقفطان، كان خطابه وطنيًا، لبنانيًا، عربيًا، قوميًّا، فلسطينيًا، إسلاميًا إماميًا ولائيًا للسيد الولي الفقيه، وكان في الوقت نفسه خطابًا إنسانيًا على مستوى العالم أجمع. لذلك نجد أن كل هذه الأساليب الخطابية التي اعتمدها سماحة السيد حسن شكّلت عاملًا أساسيًا في عملية تشكيل محور المقاومة من لبنانيين وفلسطينيين وعرب ومسلمين، بل والمجتمع الإنساني عامة. وهذا ما شهدناه في السنتين الأخيرتين من عمر القضية الفلسطينية، وبعد عملية طوفان الأقصى.

البنية العسكرية التي أنشأها الشهيد نصرالله للمقاومة

في الجانب السياسي والفكري، كان هذا أثره. أما في الجانب العسكري، فقد شكّل السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه، منظومة عسكرية قتالية مدرَّبة، معدّة، مهيأة إيمانيًا وتربويًا وأخلاقيًا وعباديًا. وقد أثبتت هذه المنظومة جدارتها العسكرية في حرب أولي البأس، حيث لم يتمكن العدو الصهيوني من التقدم في جنوب لبنان سوى كيلومترين، نتيجة صمود المجاهدين المقاومين أبناء المقاومة الإسلامية على أبواب مدينة الخيام والقرى الحدودية اللبنانية. وحاول العدو الصهيوني أن يعوض خسارته برًا بمزيد من الضربات الجوية التي أحدثت دمارًا وقتلًا وتشريدًا وتهجيرًا للشعب اللبناني عامة، ولأبناء الجنوب والضاحية والبقاع خاصة.

علاقات الشهيد نصرالله الواسعة داخلياً وخارجياً

ولذلك فإن السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه، لم يكتفِ بخطاب متعدد الاتجاهات، وإنما كان أداؤه على الأرض أداءً لبنانيًا وحدويًا مع المسلمين السنة في لبنان والمنطقة العربية والإسلامية، ومع القوى المسيحية في لبنان، وعلى رأسها العماد ميشال عون الذي عقد معه اتفاق مار مخايل، والذي استمر لسنوات طويلة، وكان عاملًا أساسيًا في حفظ لبنان ووحدة أبنائه. كما بنى علاقات عربية – عربية مع قوى قومية ناصرية في المنطقة، وعلاقات إسلامية عامة على مستوى العالم الإسلامي مع قوى إسلامية كالإخوان المسلمين وحركة حماس والجهاد الإسلامي والمجموعات الإسلامية الشيعية الأخرى.

أما البعد الإنساني، فكان حاضرًا في علاقاته مع مجموعات دولية إنسانية عالمية وأحزاب دولية غربية. لذلك، فإن السيد حسن ترك إرثًا كبيرًا ما زال قائمًا وسيستمر بقوة في الدفاع عن المقاومة. وقد تجلى ذلك في يوم استشهاده، حيث شارك قرابة مليونَي لبناني، إضافة إلى وفود عربية وإسلامية أخرى، في مراسم التشييع. وكذلك في الانتخابات البلدية التي حققت فيها المقاومة وحلفاؤها في لبنان عددًا كبيرًا ووازنًا من البلديات.

السيد حسن كان العين المتقدمة لقائد الثورة الإسلامية

لعل ما ذكرته في الإجابة الأولى على السؤال الأول يوضح الكثير من جوانب هذا السؤال الثاني، إلا أنني أقول إن سماحة السيد حسن كان عاملًا أساسيًا في تقوية محور المقاومة من فلسطين إلى بيروت، إلى دمشق، إلى بغداد، إلى صنعاء، إلى طهران. حيث إن السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه، كان العين المتقدمة للولي الفقيه ولقائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي.

وقد أفاد الصحفي الشهير المرحوم الأستاذ محمد حسنين هيكل في إحدى كتاباته بأن من أهم الأسباب التي تقوي محور المقاومة شخصية كسماحة السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه، الذي كان العقل المتقدم والعين المتقدمة لقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والعامل الأساسي في دفع مسيرة محور المقاومة في المنطقة.

بطبيعة الحال، كان السيد حسن على علاقة قوية مع النظام السابق في سوريا، الرئيس الدكتور بشار الأسد. أضف إلى ذلك أنه بنى علاقة وثيقة مع حركة حماس، المقاومة الإسلامية، منذ زمن المرحوم الشهيد الشيخ أحمد ياسين، ثم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والحاج إسماعيل هنية، والحاج يحيى السنوار (أبو إبراهيم). وحتى الأيام الأخيرة قبيل استشهاده كانت علاقته قائمة مع الإخوة في حركة حماس، برئاسة رئيس المكتب السياسي الحاج خليل الحية، ومع إخوانه في قيادة الحركة سواء في الداخل أو في الخارج.

كما كانت له علاقة قوية مع حركة الجهاد الإسلامي منذ عهد المرحوم فتحي الشقاقي رحمه الله، ثم الحاج الدكتور رمضان شلح، ثم في زمن الأخ المجاهد زياد النخالة (أبو طارق)حفظه الله.

إلى جانب ذلك، كان السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه، يسهر سهرًا شديدًا على الواقع السياسي في لبنان، فكانت علاقته قوية مع المرحوم الشهيد الرئيس رفيق الحريري، حيث بنى معه علاقة استراتيجية لإنقاذ لبنان وتحويله من بلد تابع إلى بلد قائم بذاته، مستفيدًا من قدرات الشهيد الرئيس رفيق الحريري، ومن قدرات ومقومات سماحة السيد حسن وإخوانه في قيادة حزب الله.

كذلك بنى السيد حسن علاقة قوية مع الإخوة في اليمن، أنصار الله، مع الشهيد الحوثي رحمه الله، ومن بعده مع القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله.

إضافة إلى ذلك، كان السيد حسن يمثل طليعة وقناعات سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي حفظه الله. كل ذلك يؤكد أن السيد حسن تحول من زعيم سياسي محلي إلى لاعب إقليمي له أثر كبير في المنطقة العربية والإسلامية.

سيستمر مسار الشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين

لا شك أن استشهاد سماحة السيد حسن، رضوان الله عليه ورحمه الله، وسماحة السيد هاشم صفي الدين، رضوان الله عليه ورحمه الله، والقيادة، ترك أثرًا كبيرًا في مسار المقاومة الإسلامية في لبنان، وهذا أمر لا ينكره أحد، لما لهذين السيدين العزيزين، الشهيدين الأقدسين، والقيادة عمومًا، من دور كبير في بناء حزب الله، وفي بناء المقاومة الإسلامية، وعلى مستوى العمل السياسي والاجتماعي والثقافي والجماهيري على مدى أكثر من 30 عامًا.

إلا أن الولاء في خط المقاومة هو ولاء لله عز وجل، وولاء لخط الولي الفقيه، وولاء للمقاومة، بمقدار الحب والتفاني والتضحية مع سماحة السيد حسن، رضوان الله عليه، وسماحة السيد هاشم وإخوانهما في القيادة. لكن هذا لا يعني أن هذه المسيرة تقف عند استشهاد أي قائد؛ فالمسيرة تمضي قدمًا، والفجوات تُملأ. وهذا ما حصل خلال أيام معدودة، حيث تم ملء الفراغ، واستطاعت القيادة أن تنتقل من بعد سماحة السيد هاشم صفي الدين إلى سماحة الشيخ نعيم قاسم، حفظه الله.

وأود أن أشير إلى مسألة مهمة، وهي أنه في فترة الفراغ التي حصلت لم يحدث ارتخاء أو نوع من الفتور أو التراجع أو الاستسلام، بل على العكس، حتى في زحمة استشهاد سماحة السيد وما تركه من أثر كبير على المنطقة، ولبنان، وبيئة المقاومة، ورجالها، كان ذلك دافعًا لهم لمزيد من المواجهة مع العدو الصهيوني، ولمزيد من تحقيق الانتصارات في مواجهته على الأرض.

وبرغم تفوق العدو الصهيوني على مستوى الطيران والقتال الجوي، فإن ذلك لم يدفع شباب المقاومة إلى أن يتراجعوا أو يترددوا لحظة واحدة، بل استمرت المواجهة على الأرض، وتوجهت الضربات في عمق الكيان الصهيوني. وقد تجلى ذلك في آخر يوم من حرب أولي البأس، الذي شكّل عاملًا كبيرًا في دفع قيادة العدو الصهيوني إلى طلب وقف الحرب وطلب وقف إطلاق النار، حيث إنه في يوم أحد أُطلق قرابة 352 أو 357 صاروخًا في ليلة واحدة.

الكيان الصهيوني ما هو إلا أداة لتنفيذ المؤامرات الأمريكية في منطقتنا

حزب الله منذ نشأته وبداية وجوده كان يدرك أن العدو الرئيسي ورأس الحربة التي تقاتلنا هي الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذا الكيان الصهيوني ما هو إلا أداة بيد العدو الأمريكي، عصابة تتحرك بأوامر من الولايات المتحدة وإداراتها المتعاقبة. فمهما تبدلت الأسماء من ريغان إلى بوش الأب، إلى كلينتون، إلى بوش الابن، ثم أوباما، فترامب، فبايدن، ثم عودة ترامب؛ فإن المضمون واحد، إذ يدرك الجميع أن هناك ما يسمى في الولايات المتحدة بـ"الدولة العميقة".

وعليه، فإن حزب الله أدرك أن عدوه الرئيسي هو الولايات المتحدة الأمريكية، وخطط استراتيجيته على هذا الأساس. ومع ذلك، لم يتخلَّ عن ساحة المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني على الأراضي اللبنانية، ولا سيما في جنوب لبنان، باعتبار أن عمر الكيان الصهيوني مرتبط بمواجهات المقاومة. لذلك، مهما حاولت واشنطن استدراج حزب الله إلى معارك جانبية في ساحات أخرى، فإنه يؤكد أن معركته الأساسية تبقى مع العدو الصهيوني.

لكن الحزب في الوقت نفسه يرى أن هناك أطرافًا إقليمية عربية وإسلامية تؤدي دورها في مواجهة الهيمنة الأمريكية. فاليمن مثلاً، عندما تحالفت واشنطن مع بعض الدول الخليجية في ما سُمّي بـ"عاصفة الحزم"، جاء الرد الصاعق من قوات أنصار الله والجيش اليمني، مسجّلًا انتصارًا في تلك المواجهة. وكذلك ما حققته حركة طالبان في دحر القوات الأمريكية من أفغانستان بعد أكثر من 20 عامًا من الاحتلال.

الأمر ذاته شهدته الساحة العراقية، حيث واجهت فصائل المقاومة بمختلف ألوانها القوات الأمريكية وسجّلت انتصارات عديدة. ولهذا، فإن حزب الله ما زال يؤمن أن الولايات المتحدة هي العدو الأساسي، وهي التي تدير هذا الكيان الصهيوني المصطنع وتؤمن له الغطاء والدعم.

الشيخ نعيم قاسم أوضح موقف حزب الله من سلاح المقاومة بشكل واضح

محاولات أمريكا عبر أدواتها، سواء على المستوى المحلي أو على مستوى الكيان الصهيوني، كانت تُشدِّد العزم وتتخذ قرارات بما سُمِّيَ نزع سلاح المقاومة، أي إفراغ المقاومة من أقوى مقومات وجودها وهو سلاحها في مواجهة العدو الصهيوني. ولذلك عندما اتخذت الحكومة اللبنانية قرارًا بتسليم السلاح — وسُمّيَ ذلك «تسليمًا للسلاح» ولم يُطلَق عليه «نزع سلاح» — كان موقف المقاومة بلسان الأمين العام سماحة الشيخ نعيم قاسم: «إن دون ذلك قطع الرقاب، وأنه لو اضطرّنا إلى الذهاب إلى معركةٍ كربلائية فإنا جاهزون لنستشهد دفاعًا عن أنفسنا وعن سلاحنا وعن كرامتنا وكرامة شعبنا وأمتنا».

وبالتالي ما كان مهمًا في هذه القضية هو موقف الجيش اللبناني الذي أعلن صراحةً أنه ليس بمقدوره نزع سلاح حزب الله أو سحب سلاحه، لأن ذلك يشكّل خطرًا كبيرًا على لبنان وعلى الوضع السلمي الأهلي فيه. وأضاف أن قيادة الجيش مقتنعة بأن سلاح المقاومة ليس خطرًا على الجيش أو على الشعب اللبناني، بل يشكل خطراً على العدو الصهيوني الذي ما زال يشكل تهديدًا كبيرًا للبنان وجنوب لبنان ومياهه ونفطه وغازه.

لذلك تراجعت الحكومة اللبنانية واتخذت قرارًا بما سُمِّي «الدفاع الوطني». ولا نعلق هنا على المصطلحات في العنوان سواء قلنا «مقاومة» أو «دفاع وطني»؛ المهم أن هذه المقاومة حاضرة لأي متغيرات قد يتخذها العدو الصهيوني تجاه لبنان وشعبه.

وبناءً عليه، السلاح باقٍ بيد حزب الله وبيد المقاومة الإسلامية في لبنان، وأن القوة العسكرية والسياسية لحزب الله ما زالت على حالها. وفي لبنان تلعب التوازنات الطائفية والمذهبية دورًا أساسيًا في أي قرار يمكن أن يُتخذ، سواء كان محليًا أو إقليميًا أو دوليًا.

إن محاولات الضغط من المجتمع الدولي والعربي — أي قوة خارجية قادرة على اتخاذ أي قرار تشاء — يبقى هذا القرار حبرًا على ورق، لأنّ القدرات التي بيد هذا المجتمع جُرِّبت سابقًا بما سُمِّي بقواتٍ متعددة الجنسيات، وبما سُمِّي بقوات اليونيفيل. كما أن ما يفرض من عقوبات على لبنان يمنع تحقيق مصالح داخلية للبنان على مستوى الاحتياجات الأساسية، مثل حل مشكلة الكهرباء، وحل مشكلة الأموال المودعة في البنوك والمحجوزة حتى الآن لأكثر من خمس سنوات أو ست سنوات.

سيبقى حزب الله ضمانة لمستقبل لبنان وشعبه والقضية الفلسطينية

أضف إلى ذلك عقوبات تمنع وصول الدعم المالي لإعادة الإعمار، وحل مشكلة المهجرين الذين تهجّروا بسبب الحرب في السنة الماضية. كل هذا قد يقوم به الغرب والمجتمع الدولي، لكنّه لن يشكّل عامل ضغط يُجبر المقاومة الإسلامية في لبنان أو حزب الله على تغيير نهجه بشأن دعم فلسطين وشعب فلسطين وشعب لبنان.

وكما قال السيد رحمه الله عليه: «نحن شيعة علي بن أبي طالب — لن نتخلى عن فلسطين، لن نتخلى عن فلسطين، لن نتخلى عن فلسطين».

كما ذكرت سابقًا في سؤال سابق، ما أحرزه حزب الله في لبنان ومعه حلفاؤه من حركة أمل والحلفاء في الساحة السنية والساحة المسيحية والساحة الوطنية على مستوى البلديات كان أمرًا يؤكد متانة وصلابة وجود حزب الله في الساحة اللبنانية، ويؤكد متانة تحالفاته داخل لبنان.

حزب الله حزب راسخ ومتأصل في الساحة اللبنانية عبر عدة عناوين على المستوى المذهبي والطائفي؛ فهو مرتكز أساسي داخل الوسط الشيعي، ولديه تحالف ثنائي استراتيجي مع حركة أمل، كما يمتد تحالفه إلى القوى السنية في الساحة اللبنانية بالبعد الإسلامي والوطني، وتحالف أيضًا مع القوى المسيحية في الساحة اللبنانية.

إن حزب الله سيكون، إن شاء الله، ركيزة أساسية في الانتخابات النيابية القادمة التي ستجري في مايو 2026. ومن المتوقع أن ترسم هذه الانتخابات مسار لبنان للسنوات القادمة، إن شاء الله، وتؤكد قوة حزب الله، وصلابته، وقدرته على التفاعل مع الواقع اللبناني بشكل سريع ودراماتيكي خلال السنوات الأخيرة.

لذلك أصبح حزب الله حزبًا أصيلًا في التركيبة اللبنانية، ولا يمكن لأي طرف أن يرجع بلبنان إلى الوراء. وإن كان لدى البعض أحلامًا زائفة بأن يستيقظوا يومًا فلا يروا حزب الله، فهي أحلام العصافير التي يتمنّاها أعداء المقاومة وأعداء حزب الله والمسيرة الوطنية الصحيحة والسليمة الخالية من الفساد والانحراف عن مصلحة لبنان. لذلك حزب الله يشكل ضمانة لمستقبل لبنان، وللشعب اللبناني، وللقضية الفلسطينية، بإذن الله عز وجل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة