«آش را با جاش بردن»: حكمة فارسية بين القناعة والطمع
في أروقة الأمثال الشعبية تختبئ دروس الحياة، تلك التي تتجاوز الزمن والمكان لتترك أثرها على سلوكيات الإنسان.
وكالة تسنيم الدولية للأنباء - في أروقة الأمثال الشعبية تختبئ دروس الحياة، تلك التي تتجاوز الزمن والمكان لتترك أثرها على سلوكيات الإنسان. ومن بين هذه الكنوز، يسطع مثل فارسي عميق المعنى: «آش را با جاش بردن»، الذي يُقابل في العربية مثل: «أخذ الجمل بما حمل». هذا المثل لا يروي مجرد حكاية عن حساء، بل يفتح نافذة على النفس البشرية، بين الطمع والامتنان، بين القناعة والجشع.
قصة وراء المثل
في إحدى قرى الشمال الإيراني، كانت عجوز مشهورة بمهارتها في طهو الآش، حساء تقليدي شهير، تقدمه بسخاء لكل محتاج أو مريض. وفي يوم، دخل رجل غريب القرية، منهكاً وجائعاً. رقّت له العجوز، وقدّمت له طبقاً سخياً من الآش (الحساء). لكنه لم يكتفِ بالشكر، بل طلب القدر كله لنفسه. تفاجأت العجوز، وقالت: «القدر للجميع ولكل نصيب». لكنه أصرّ وأخذ القدر، تاركاً أهل القرية بلا نصيب. ومنذ ذلك اليوم، صار أهل القرية يقولون: «فلان يريد أن يأخذ الآش بقدره»، في إشارة إلى الطامع الذي لا يعرف القناعة.
رمزية المثل وأبعاده الثقافية
الأدب الفارسي يمتلئ بالرموز والدروس المستترة في الحياة اليومية، وهنا الآش لا يرمز فقط للطعام، بل للخير العام والميراث المشترك بين الناس. الطامع الذي يسعى وراء المزيد لا يقتصر ضرره على الممتلكات، بل يمتد إلى الروابط الاجتماعية، فيزرع الشقاق ويفقد الثقة ويقوّض المحبة.
يذكّرنا هذا المثل بأن الامتنان والقناعة هما حجر الزاوية للعلاقات الإنسانية. فالإنسان القانع يثمر الحب والاحترام، بينما الطامع يفرغ قلبه من الشكر ويملأه بالخصومة. في ثقافة الفرس، تُعتبر القناعة علامة على التوازن النفسي والأخلاقي، والطمع رمز للخلل الاجتماعي والانفصال عن الجماعة.
درس عالمي
«آش را با جاش بردن» ليست مجرد قصة حساء مسروق، بل رسالة تربوية وثقافية تنقلها الأجيال: ارضَ بما لديك، واحمد من أحسن إليك، فالقناعة تحفظ القلوب، والطمع يفسدها. هذا المثل الفارسي، العميق والمعبر، يذكّرنا بأن الطمع، مهما بدا صغيراً، قادر على تدمير ما بين يديك قبل أن يهدم العلاقات الإنسانية، بينما القناعة تمنح الإنسان السعادة والسكينة والاحترام الدائم.
يبقى هذا المثل شاهداً على عبقرية الأمثال الشعبية، وعلى قدرة الثقافة على تحويل أبسط المواقف اليومية إلى دروس حياة قيمة، تعلمنا كيف نعيش بقلب ممتن وعقل متوازن، بعيداً عن طمع قد يسرق منا حتى دفء العلاقات الإنسانية.
/انتهى/