عراقجي: تعاوننا مع الوكالة لن يكون كما في السابق / هجوم الكيان الصهيوني على قطر لن يقتصر على هذا البلد وحده
أكد وزير الخارجية الإيراني، سيد عباس عراقجي، في مقابلة تلفزيونية، أنّ التعاون بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعد ممكناً أن يستمر على النحو السابق، مشيراً إلى أنّ الوكالة نفسها أقرت بوجود ظروف جديدة تستلزم إطاراً مختلفاً للعلاقات.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن عراقجي أوضح أنّ هناك مسارين منفصلين: الأول يتعلق بالمباحثات مع الدول الأوروبية الثلاث، والتي استمرت في السنوات الماضية وحتى خلال فترة الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً في جنيف، ولا تزال متواصلة. ولفت إلى أنّ أحد أبرز الخلافات مع الأوروبيين يتمثل في آلية الزناد، حيث هددوا بتفعيلها، في حين تؤكد إيران إلى جانب الصين وروسيا أن لا مشروعية لذلك.
وأضاف أنّ الأوروبيين حاولوا فرض شروط جديدة لتمديد هذه الآلية، إلا أنّ طهران اعتبرتها غير واقعية وغير منطقية، ما أدى إلى استمرار الخلاف.
أما فيما يخص الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فأوضح وزير الخارجية أنّ التشاور معها بدأ قبل طرح شروط الأوروبيين، مشدداً على أنّ لإيران مصالح في هذا التعاون، كما أن التزاماتها كدولة عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) تفرض عليها التزامات محددة.
وبيّن عراقجي أنّ الاتفاق الموقع مع الوكالة يحدد إطاراً جديداً للتعاون، يتضمن: اعتراف الوكالة بأن الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية أمر غير مقبول. وإقرار الوكالة بوجود ظروف جديدة تحول دون استمرار التعاون كما كان في الماضي. والتزام الوكالة بأخذ قانون البرلمان الإيراني وقرارات المجلس الأعلى للأمن القومي بعين الاعتبار. واعتماد مبدأ التمييز بين المنشآت التي تعرضت لهجوم وتلك التي لم تتعرض، في أسلوب التعامل معها.
وأوضح وزير الخارجية الإيراني، في مقابلة متلفزة أنّ أوضاع المنشآت النووية التي تعرضت لهجمات معقدة، وأنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بأنّ مخاوف إيران في هذا الصدد مشروعة ومبرّرة.
وقال: «حالياً يجب تنفيذ إجراءات بيئية في هذه المنشآت، وبموجب الاتفاق الأخير لن تُجرى أي عمليات تفتيش إلى أن تُستكمل هذه الإجراءات. بعد ذلك، سيُرفع تقرير إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، ومن ثم ستُعقد مفاوضات لاحقة لتحديد آلية وطرق التفتيش».
وشدد عراقجي على أنّه لم يُمنح أي إذن بالتفتيش في الوقت الراهن، وأنّ القرار النهائي يعود للمجلس الأعلى للأمن القومي، لافتاً إلى أنّ الوكالة قبلت بهذا المسار الجديد للتعاون. وأكد أن القانون الذي أقرّه البرلمان الإيراني قد رُوعِي بالكامل، كما أُخذت المخاوف الإيرانية في الاعتبار، بحيث تخضع عمليات التفتيش لمراحل يحددها المجلس الأعلى للأمن القومي.
وأضاف: «صلاحية هذا الاتفاق مرهونة بعدم قيام أي طرف بخطوات عدائية ضد إيران».
وفي ما يتعلق بالمواد النووية المخصّبة، أشار إلى أنّ بعضها دُفن تحت أنقاض المنشآت التي قصفت، وأنّ إمكانية الوصول إليها وتقييمها ستُعرض على المجلس الأعلى للأمن القومي عبر تقرير من منظمة الطاقة الذرية.
كيفية التعامل مع الوصول إلى المنشآت التي تعرضت للقصف فسيُقرّر لاحقاً
وفي معرض رده على الرواية المغايرة التي قدّمها المدير العام للوكالة رافائيل غروسي حول الاتفاق، قال عراقجي: «في أي اتفاق، لكل طرف روايته. غروسي بحاجة لتقديم تقرير إلى مجلس المحافظين بما يرضيهم، ومن الطبيعي أن يقدّم تفسيره الخاص، حتى لو كان مختلفاً عن روايتنا. لكن النصّ المتفق عليه واحد، ولا خلاف على جوهره. أما كيفية التعامل مع الوصول إلى المنشآت التي تعرضت للقصف فسيُقرّر لاحقاً».
وعن سؤال حول إلزامية إطلاع الوكالة على أماكن تخزين المواد النووية، أجاب: «هذا الأمر ليس مطروحاً الآن. في وقت لاحق سيُقدّم تقرير إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو الذي سيقرّر كيفية إبلاغ الوكالة».
وبشأن الضمانات لمنع تكرار عمليات التجسس، أكد عراقجي: «لدينا خبرات طويلة في التعامل مع الوكالة، وكل شيء الآن يمر عبر المجلس الأعلى. لم يعد الأمر كما في السابق حيث كانت منظمة الطاقة الذرية تُسلم كل شيء مباشرة للوكالة. هذا الإطار الجديد خلاصة كل تجارب الماضي، وقد صيغ بحيث لا تتكرر مرارات التجارب السابقة».
وأكد وزير الخارجية الإيراني، أنّ ردّ طهران على أي تفعيل لآلية آلية سيكون حتمياً، مشيراً إلى أنّ كيفية الرد تخضع لقرار المجلس الأعلى للأمن القومي، وأنّ من بين الخيارات المطروحة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT). وقال: «علينا أن نرى أيّ طرح يضمن مصالحنا بشكل أفضل».
وأضاف أنّ إيران ليس لديها مطالب من الدول الأوروبية الثلاث، لكنها رفضت بشكل واضح طلبهم بتمديد الآلية، مؤكداً أنّ نجاحهم في تفعيلها لن يحلّ أي مشكلة، تماماً كما أنّ هجمات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على منشآت إيران النووية لم تُجدِ نفعاً. وتابع: «ما لا يمكن القضاء عليه هو العلم المتوافر لدينا. أوضحنا للأوروبيين أنّ تنفيذ آلية سناب باك لن يساعد، بل سيزيد الأمور تعقيداً».
وشدّد على أنّ اللجوء إلى هذه الآلية «خطأ استراتيجي» لن يؤدي إلى نتيجة، رغم ما قد يخلّفه من تبعات، مضيفاً: «لكن في النهاية لن يحققوا أهدافهم عبر هذا المسار».
وفي ما يخص اعتداءات الكيان الصهيوني، قال عراقجي: «بالأمس في تونس وخلال مؤتمر صحفي، أكدت أنّ نتنياهو ارتكب كل أنواع الجرائم تقريباً، ولم يبقَ جريمة إلا وقد نفذها. ومع ذلك، قام بعمل واحد يمكن اعتباره إيجابياً، وهو أنّه كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام المنطقة».
هجوم الكيان الصهيوني على قطر لن يقتصر على هذا البلد وحده
وأوضح أنّ ما كان واضحاً لإيران منذ البداية أصبح اليوم جلياً للآخرين، قائلاً: «لسنوات طويلة، حاول الكيان الصهيوني والدول الغربية ووسائل إعلامها تصوير إيران على أنها التهديد الرئيسي للمنطقة، بديلاً عن إسرائيل نفسها. لكن هذه المعادلة انهارت اليوم».
وأكد أنّه بات واضحاً ليس فقط لشعوب المنطقة بل أيضاً لحكوماتها أنّ التهديد الرئيسي هو الكيان الصهيوني، حتى بالنسبة للدول الحليفة لأمريكا أو تلك التي أقامت علاقات طبيعية مع إسرائيل. وأضاف: «اتضح الآن أنّ إسرائيل لا تعترف بأي حدود؛ فهي لا تواجه فقط قوى المقاومة أو إيران، بل تسعى للهيمنة على المنطقة بأسرها، ولا تتورع عن تخطي أي خط أحمر لتحقيق أهدافها».
وأشار إلى أنّ «الكيان الصهيوني انتهك كل الخطوط الحمراء في غزة ولبنان وسوريا، وربما آخرها كان استهداف المنشآت النووية الإيرانية. لكنه مستمر في جرائمه مستفيداً من الحصانة السياسية التي توفرها له الولايات المتحدة والدول الأوروبية».
وأكد وزير الخارجية الإيراني على أنّ «الحقائق باتت واضحة، فحتى الدول التي كان يصعب عليها سابقاً الاعتراف بأنّ إسرائيل هي التهديد الرئيسي، والتي اعتقدت أن علاقاتها مع أمريكا أو حتى مع الكيان الصهيوني ستحميها، أدركت اليوم أنّ الأمر ليس كذلك».
وقال وزير الخارجية الإيراني، إنّ المسألة لا تقتصر على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطر، بل إنّ بنيامين نتنياهو سبق أن تحدث عن فكرة «إسرائيل الكبرى»، وهي رؤية تشمل أجزاءً من السعودية ومصر والعراق، إلى جانب كل الأردن، الأمر الذي أثار قلقاً ورعباً كبيرين في المنطقة.
وأضاف أنّ هذا التحول الكبير جاء نتيجة لصمود إيران في مواجهة الكيان الصهيوني، مؤكداً أنّ الوجه الحقيقي لهذا الكيان بات مكشوفاً اليوم للدول التي كانت ترفض الاعتراف به في السابق.
وفي رده على سؤال حول آخر تطورات قضية المواطنة الإيرانية مهدية اسفندياري، أوضح عراقجي أنّ جهوداً مكثفة بُذلت في هذا الشأن، وقد وصلت المفاوضات إلى مراحلها النهائية بشأن تبادلها مع سجناء فرنسيين في إيران، معرباً عن أمله في أن يُعلن قريباً خبر إيجابي بهذا الخصوص. وأضاف أنّ هناك ترتيبات تقنية ولوجستية لا بد من استكمالها خلال الأيام المقبلة.
سلاح المقاومة في لبنان
وحول الجدل بشأن سلاح حزب الله، أكد وزير الخارجية الإيراني أنّ «هذا الموضوع شأن داخلي لبناني بامتياز، ويجب أن يُبتّ فيه من قبل اللبنانيين أنفسهم». وأوضح أنّ حزب الله جزء أساسي ولا يتجزأ من البنية السياسية اللبنانية، وقد بادر بنفسه لطرح عقد حوار وطني يضم مختلف المكونات اللبنانية بهدف وضع استراتيجية دفاعية وطنية تحدد آليات الدفاع عن البلاد.
وشدد على أنّ «القرار يجب أن يكون بيد اللبنانيين وحدهم، وحزب الله سيكون له دور حاسم في هذا الإطار». وأردف قائلاً: «دعمنا لحزب الله موقف ثابت وواضح، لكن ذلك لا يعني التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، فالموقف النهائي يحدده الشعب والمسؤولون اللبنانيون».
وأشار عراقجي إلى أنّه خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، وكذلك في مشاوراته الإقليمية إلى جانب الدكتور لاريجاني، شدد دائماً على أنّ الكيان الصهيوني يسعى إلى إضعاف دول المنطقة وإفقارها بل وتفكيكها، داعياً إلى الحذر من هذه المؤامرات.
وأكد الدبلوماسي الإيراني البارز، أنّ سلاح المقاومة كان حتى اليوم السدّ المنيع في وجه مخططات الكيان الصهيوني، محذراً من أنّ أي ضعف في هذا المسار سيجعل إسرائيل أكثر جرأة وعدوانية.
وأوضح قائلاً: «المثال الواضح على ذلك هو سوريا. فبعد حكومة بشار الأسد، ورغم سعي الحكومة الجديدة إلى تحسين علاقاتها مع الغرب وحتى مع الكيان الصهيوني، إلا أنّ إسرائيل لم توقف اعتداءاتها. فكل يوم تصل تقارير عن قصف قواعد عسكرية ومنشآت دفاعية أو حتى مصانع، يتم تدميرها بالكامل. كما أنّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية اليوم بات أوسع من ذي قبل، والمساحات التي استولى عليها بعد إضعاف الدولة السورية أكبر من مساحة قطاع غزة».
وأضاف: «نحن نشهد أيضاً محاولات لتقسيم سوريا وخلق كيانات انفصالية، وهذا يبرهن أنّ أي نوع من المساومة مع إسرائيل لا يحلّ المشكلة، بل يزيدها إصراراً واندفاعاً نحو جرّ الدول إلى أقصى درجات الضعف».
وشدد وزير الخارجية على أنّ طهران حذرت شركاءها في لبنان من هذه المخاطر، لكن القرار بشأن طبيعة الرد يبقى حصراً بيد اللبنانيين أنفسهم، وخاصة حزب الله.
القمة الإسلامية في الدوحة
وحول القمة الاستثنائية المقررة في العاصمة القطرية، قال عراقجي: «مع تزايد جرائم الكيان الصهيوني واتساع اعتداءاته وهيمنته في المنطقة، أصبحت المطالب العملية أكثر إلحاحاً».
وأوضح أنّه يومي الأحد والاثنين ستُعقد في الدوحة قمة استثنائية للدول العربية والإسلامية بمشاركة كل من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وذلك بطلب من قطر، بهدف دعم الشعب الفلسطيني في غزة وإعلان التضامن معه وإدانة ممارسات الكيان الصهيوني.
وختم قائلاً: «في هذه القمة، سواء من خلال خطاب الرئيس أو مداخلاتي ومناقشات الوزراء، سنطرح هذه القضية بجدية أكبر. لقد حان وقت العمل، ولم يعد الكلام وحده كافياً».
/انتهى/