كتاب الطفل؛ الكنز الخفي لإيران في أسواق النشر العالمية
رغم الغنى الكبير في المحتوى والإبداع في الرسوم التوضيحية، لم تنجح كتب الأطفال الإيرانية بعد في أن تأخذ مكانتها اللائقة في سوق النشر العالمية. لكن ما السبب؟ ولماذا تبقى هذه الجواهر الأدبية والفنية بعيداً عن أضواء النشر الدولي؟
وكالة تسنيم الدولية للأنباء - تُعدّ كتب الأطفال واليافعين في إيران بمثابة منصة انطلاق للنشر الإيراني نحو العالمية. فمع أن هذا المجال يرتكز على عنصرين قويين: محتوى غني مستمد من تراث غني بالأساطير والقصص الشعبية، ورسوم توضيحية متقنة، إلا أنه خلال العقد الماضي لم يتمكن من تجاوز التحديات الاقتصادية والهيكلية التي تعيق بروزه عالميًا.
الأدب الإيراني... قاعدة ذهبية للمحتوى
لطالما كانت إيران قوية في مجال المحتوى الأدبي، حيث يرى المتخصصون في أدب الطفل أن القصص الفلكلورية والأساطير الإيرانية تمتلك مقومات جاذبة للقارئ العالمي، خصوصاً عند إعادة إنتاجها بلغة حديثة وبدعم من رسوم مبتكرة تعزز من فهم الطفل غير الناطق بالفارسية.
ومنذ انتصار الثورة الإسلامية، شهد أدب الطفل في إيران نهضة ملحوظة، تجلت في بروز كتاب جدد واستثمار مؤسسات تخصصية في هذا القطاع، إلى جانب تكوين جيل من الرسامين المبدعين الذين أنتجوا أعمالًا تناولت قضايا إنسانية مثل السلام، البيئة، الأسرة، الهوية، الصداقة، وغيرها، ما منح هذا الأدب بعدًا إنسانيًا عالميًا.
الرسوم التوضيحية.. الجناح الثاني للتحليق
الرسامون الإيرانيون باتوا يشكلون ورقة رابحة في سوق الكتاب العالمي، حيث ساهمت جودة الأعمال الفنية وارتفاع مستوى الطباعة في تعزيز القيمة الفنية للكتاب الإيراني وجعلته مؤهلاً للتصدير.
التحديات التي تعيق التصدير
رغم هذا الزخم الإبداعي، إلا أن الصادرات لا تزال محدودة، ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل أبرزها: غياب دعم مؤسسي منظم؛ فنجاحات الترجمة والنشر الخارجي غالبًا ما تكون ثمرة مبادرات فردية من بعض الناشرين. عدم الإلمام الكافي بقواعد النشر الدولي وحقوق النشر (الكُبي رايت). غياب تسويق احترافي على مستوى دولي. نُدرة التواصل مع دور النشر العالمية. ارتفاع التكاليف (ليست فقط مادية، بل لوجستية وقانونية وثقافية)، ومنها عدم إتقان اللغات الأجنبية والعقود الدولية.
فرصة سانحة في العالم الإسلامي والعربي
ورغم كل التحديات، تبقى هناك فرص ذهبية في الأسواق الإسلامية، وخاصة الدول العربية والمتحدثة بالفارسية. إذ تشير تجارب بعض الناشرين إلى وجود إقبال جيد من البلدان العربية على المنتجات الثقافية الإيرانية، ما يفتح المجال أمام تصدير الكتب بشكل أوسع.
وفي هذا السياق، قال علي رضا سبحاني نسب، مدير دار نشر "جمال"، إن النشر الإيراني لا يملك آليات اتصال فعالة مع العالم الخارجي، مشيرًا إلى ضرورة وجود جهة وسيطة تعمل على تسهيل هذا الاتصال دون أن يكون لها طابع ربحي دائم، وأن تكون مهمتها مؤقتة، تُعنى بتأسيس علاقة مستدامة بين الناشرين الإيرانيين والأسواق الدولية، خاصة في العالم الإسلامي.
وأكد أن نحو 25% من الكتب الإيرانية التي تصدر سنويًا (أي نحو 17 ألف عنوان من أصل 70 ألفًا) تمتلك قابلية الترجمة والنشر في الدول الإسلامية والعربية.
فلوشيب طهران.. بداية واعدة
شهد العام الجاري إطلاق برنامج "فلوشيب طهران"، كأول خطوة جادة نحو تحقيق حلم تصدير كتب الأطفال الإيرانية، وأسفر عن توقيع 168 اتفاقية مبدئية بين ناشرين إيرانيين و30 دار نشر ووكالة أدبية أجنبية.
ويرى المتخصصون أن نجاح هذا الحدث مرهون بعدة عناصر، منها تمكين القطاع الخاص، تعزيز الشراكات الدولية، تدريب الناشرين على النشر العالمي، تشجيع الاستثمارات الذكية في المجال الثقافي.
خلاصة
رغم الصعوبات، تمتلك إيران كنزًا أدبيًا وفنيًا في مجال كتب الأطفال، بإمكانه أن يتحول إلى جسر ثقافي واقتصادي هام مع العالم. ولتحقيق ذلك، يجب دعم الترجمة المحترفة إلى لغات مختلفة، خصوصًا العربية. الاستثمار في المعارض الدولية والمشاركات النشطة. إنشاء منصات إلكترونية للتعريف بالمنتج الثقافي الإيراني. بناء صورة قوية للمؤلفين والرسامين الإيرانيين في الخارج. تفعيل دور الوكالات الأدبية الإيرانية.
تصدير كتاب الطفل الإيراني ليس مجرد نشاط تجاري، بل هو فعل ثقافي بامتياز، يحمل في طياته إمكانية تقديم صورة ناعمة وحقيقية عن الثقافة والهوية الإيرانية لأطفال العالم.
/انتهى/