إيران ستعيد توجيه البوصلة وسترسم "الشرق الأوسط الجديد" الذي كانت تحلم به "إسرائيل"


إیران ستعید توجیه البوصلة وسترسم "الشرق الأوسط الجدید" الذی کانت تحلم به "إسرائیل"

مواجهة غير مسبوقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، بدأها الأخير بالإعتداء الإسبوع الماضي على العاصمة الإيرانية طهران، مستهدفاً عدداً من كبار القادة الإيرانيين والعلماء النوويين وغير النوويين، وتتخطى هذه المواجهة مفهوم الجولة العسكرية العادية والتقليدية إلى أبعاد استراتيجية عميقة يسعى كل من الطرفين طهران و"تل أبيب" لترسيخها أو تفكيكها.

إذاً، بدأ الكيان الإسرائيلي حربه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي بدورها تنتظر هذه الحرب بفعل التهديدات المستمرة من قبل الكيان وحليفه الأميركي، وإتخذت حتى اليوم طبعاً من الحرب الصاروخية والهجمات السيبرانية والمواجهات المختلفة، غير أن التهديدات التي يطلقها الكيان وحليفه ترامب، والرد الإيراني المتوقع في حال تدخلت الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب، فإن أهداف كل من الطرفين ستضع المنطقة برمّتها على حافة انفجار كبير، يمكن أن يعيد رسم توازنات القوة في الإقليم لا سيما بعدما أدخلت إيران قوتها الصاروخية الجديدة في استهدافها لأهدافها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي لم يتوقع العدو الإسرائيلي نفسه أن تكون هذه الأهداف تحت نيران الصواريخ الإيرانية.

إذاً، بشكل واضح، يسعى الكيان المجرم حسب قوله، الى ضرب المقومات الأساسية للقوة الإيرانية في أبعاده العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية، ويضع نصب عينيه تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وتصفية النخبة العلمية، وتفكيك القدرات الصاروخية، وضرب البنية الصناعية، ومصادر الطاقة، بما يشمل الغاز والنفط، وكل ما من شأنه دعم البنية الصلبة للجمهورية الإيرانية، وهو من هذه الأهداف المباشرة، يعمل جاهداً على تحييد إيران بوصفها آخر دولة في الإقليم ترفض الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي أو الدخول في أي تسوية معه.

لذلك، فإن "تل أبيب" تسعى عبر حربها هذه، وكما تدّعي، إلى تجريد طهران من عناصر قوتها، تمهيداً لدفعها إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة وهي في حالة إنهاك تام، من أجل فرض شروط مزدوجة إسرائيلية–أميركية، لا تقتصر على البرنامج النووي والمنظومة الصاروخية، بل تتعداهما إلى عمق السياسة الإيرانية الخارجية، وتحاول جرّ حليفها الأميركي الى هذه الحرب، هذا وكان ترامب قد أصدر عدة تصريحات مختلفة منها ما يتعلق بإخلاء طهران من سكانها، ومنها ضرورة عودة إيران الى المفاوضات قبل فوات الآوان، وغيرها من التصريحات المتأرجحة التي لم تكن ثابتة ثم يتراجع عنها، حتى استغلت "إسرائيل" هذه التصريحات ووصفتها بالإيجابية وإمكانية جرّ الولايات المتحدة الى هذه الحرب، وتحقيق ما يسعى إليه الكيان بخلق بيئة مشابهة لما حققه في لبنان وسوريا، بأن أصبح حراً طليقاً بتنفيذ اعتداءاته الجوية من دون ردّ رادع، بما يمنع انزلاقها إلى حرب استنزاف طويلة،  لأن الكيان وأمام الجبهات المتعددة في فلسطين واليمن ولبنان وسوريا، فإنه يفتقر إلى النفس الاستراتيجي الطويل مقارنةً  مع إيران.

في المقابل، تسعى الجمهورية الإسلامية الى فرض معادلة ردع جديدة بعد الضربات الأخيرة، وتظهر، أي إيران، في أدائها العسكري والسياسي الذي تُبديه منذ بداية الهجوم العسكري عليها، تًظهر استعداداً واضحاً لحرب استنزاف طويلة الأمد، تُرهق فيها "إسرائيل" على مستوى الداخل والجبهة العسكرية معاً، وتعمل على إحداث توازن بالرعب عبر تحويل الكيان الصهيوني بمرافقه الحيوية وسكانه إلى كتلة استهداف واحدة في مرمى صواريخها ومسيّراتها، وهي تنجح وتحقق أهدافها بإعتراف إسرائيلي وعالمي.

أمام عن المواقف الدولية والإقليمية، ورغم خطورة الموقف، لم يُسجّل حتى الآن أي دعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، على الرغم من أنّ الحرب التي تشنها "إسرائيل" على إيران تُهدد بشكل مباشر الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

إقليمياً، أجمعت معظم الدول العربية والإسلامية على إدانة العدوان الإسرائيلي، مع اعتماد خطاب محايد نسبياً يرفض الاصطفاف في سياسة المحاور، ما يُعد تطوراً إيجابياً نسبيًا في هذا السياق.

أما روسيا والصين، فرغم موقفهما المبدئي الرافض للعدوان، إلا أن غيابهما الفعلي عن التأثير في مسار المواجهة، خاصة في ما يتعلق بعدم تزويد إيران بمنظومات دفاعية متطورة من طراز "S-600"، يُضعف من وزن هذا الرفض، ويفرض علامات استفهام حول صدقية التحالفات التقليدية.

في الجهة المقابلة، اتسمت المواقف الأوروبية بالسلبية، إذ لم تُصدر أي موقف واضح يدين العدوان الإسرائيلي، واكتفت بدعوات فضفاضة إلى "ضبط النفس"، وكأنها تُمنح شرعية غير مباشرة للعدوان المتواصل على إيران، كما كان على لبنان وفلسطين واليمن.

أما الولايات المتحدة، وهي الراعي الأساسي لهذا التصعيد منذ لحظته الأولى، فقد بدأت مواقفها تتخذ منحى أكثر خطورة في الساعات الماضية. فالتصريحات الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب – كدعوة سكان طهران إلى مغادرتها فوراً – تنذر بانزلاق واشنطن نحو تورط أكبر، حتى وإن اتخذ طابعاً نفسياً أو رمزياً حتى الآن. فترامب نفسه يبدو ممزقًا بين تيارين داخل الحزب الجمهوري: الأول يرى أن هذه الحرب لا تخص الولايات المتحدة، والثاني يدعو إلى تقديم دعم غير محدود للكيان الصهيوني.

أمام كل هذا، ورغم التهديدات الأميركية، والردّ الإيراني الواضح من أي تدخل أميركي، كل هذا يفتح الباب أمام سيناريو خطير قد يلجأ فيه الكيان إلى تنفيذ عمليات تحت "علم كاذب"،  مثل استهداف سفارة أميركية أو جنود أميركيين في الخارج، لإستخدام الحادث ذريعة لجرّ الولايات المتحدة إلى المعركة بشكل مباشر، وهو ما تعودنا عليه من أفعال سابقة للكيان المجرم.

بعد مرور عشرة أيام على الحرب، وأمام صمود إيران وإستعدادها للمواجهة، واستخدام قوتها العسكرية وصواريخها الجديدة، والجرائم التي يرتكبها الكيان في مختلف المناطق الإيرانية مستهدفاً المواطنين العزّل، وأمام الصمت الدولي المتواطئ، ووقوف المنطقة على كف انفجار إقليمي كبير، يعيد توجيه البوصلة بقيادة إيران التي تقاوم الإحتلال عن جميع الأمة الإسلامية، يبقى السؤال: كيف ستكون نهاية الكيان بعدما ترسم إيران " الشرق الأوسط الجديد" بقدرتها وقوتها؟ 

/انتهى/

 
الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة