حلفاء الكيان الصهيوني في الغرب يعبّرون عن عدم ارتياحهم من المذابح في غزة
علقت صحيفة “واشنطن بوست” على مواقف الدول الغربية الحليفة لإسرائيل بسبب حصارها لغزة بأنها تعبير عن حدود ما يمكن أن تتسامح به الدول الغربية مع تصرفات إسرائيل في غزة.
وفي تقرير أعدته إلين فرانسيس وآبي تشيسمان وكلير باركر وستيف هندريكس، قالوا فيه إن إسرائيل تعرضت لضغوط متزايدة يوم الثلاثاء بسبب حربها في قطاع غزة، حيث قام الحلفاء الرئيسيون، بريطانيا ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، إما بتعليق مفاوضات التجارة الحرة أو التعهد بمراجعة العلاقات التجارية، محذرين الحكومة الإسرائيلية من أنها بحاجة إلى إنهاء الهجوم العسكري المتجدد والسماح بتدفق المساعدات دون قيود إلى القطاع.
وقالت الحكومة البريطانية في بيان إنها ستلتزم باتفاقية تجارية قائمة مع إسرائيل، لكن “السياسات الفاضحة” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة والضفة الغربية جعلت من المستحيل “إحراز تقدم في المناقشات” بشأن اتفاق جديد محتمل. وأشارت الصحيفة إلى الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 11 أسبوعا على غزة، حيث يتعرض أكثر من مليوني شخص الآن لخطر المجاعة، بالإضافة إلى عملية برية جديدة قال مسؤولون إسرائيليون إنها ستشمل الاستيلاء على جميع أراضي القطاع.
وفي بروكسل، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن الكتلة المكونة من 27 دولة ستبدأ مراجعة رسمية لاتفاقية التجارة مع إسرائيل وأن “أغلبية كبيرة” من دول الاتحاد الأوروبي أيدت مقترحا لإعادة النظر في الاتفاق الذي يتضمن أحكاما بشأن القانون الدولي لحقوق الإنسان. وقالت كالاس: “في الوقت الحالي أعلنا عن هذا القرار، والأمر بيد إسرائيل لرفع الحصار عن المساعدات الإنسانية”.
وفي تعليق للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، قال إن تعليقات كالاس تعبر عن فهم خاطئ للواقع المعقد الذي تواجهه إسرائيل. وزعم أن تجاهل الواقع لا يعزز إلا موقع حماس ويشجعها على التمسك بالسلاح.
وقالت الصحيفة إن المواقف التي برزت في لندن وبروكسل، تعتبر مؤشرا على تغير مواقف مؤيدي إسرائيل القدامى، في الوقت الذي تستعد فيه لتنفيذ خطط، مدعومة من الولايات المتحدة، لتهجير سكان غزة إلى معاقل في الجنوب.
وهناك، سيتحكم الجيش الإسرائيلي والمتعاقدون الأمريكيون في تسليم المساعدات عبر مراكز التوزيع، وفرض قيود صارمة على دخول المواد الغذائية.
وتحدث وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي للبرلمان يوم الثلاثاء، قائلا إن الخطة “مقززة” و”وحشية”، وأنه تم استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبي حوتوفلي، إلى وزارة الخارجية لإبلاغها رسميا بأن الحكومة البريطانية تعتبر الحصار “قاسيا ولا يمكن الدفاع عنه”.
وكان نتنياهو قد أعلن يوم الأحد السماح بدخول مواد غذائية محددة، حيث اشتكى يوم الاثنين بأنه فعل هذا نتيجة للضغط الأمريكي وضرورة التعامل مع “صور التجويع الجماعي”. وواجه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أسئلة غاضبة من المشرعين الأمريكيين في جلسة اجتماع يوم الثلاثاء، حيث جادل المشرعون الديمقراطيون بأن إدارة دونالد ترامب لم تفعل إلا القليل للضغط على نتنياهو.
وقال السيناتور الديمقراطي عن ميريلاند، كريس فان هولين: “لم تطالب حكومة نتنياهو علنا ولو لمرة واحدة بإنهاء الحصار، ولحسن الحظ، تحدثت دول أخرى، والآن نرى تدفقا ضئيلا للمساعدات”.
وتساءل السيناتور الديمقراطي عن ولاية أوريغون، جيف ميركلي، عما إذا كانت إدارة ترامب تبلغ نتنياهو بأن “تشجيع الهجرة من خلال حرمان الفلسطينيين من الغذاء استراتيجية غير مقبولة؟”. ولم يجب روبيو على السؤال مباشرة، لكنه قال إن الإدارة سعيدة بدخول الغذاء، رغم اعترافه بأنه قد لا يكون كافيا بعد. وقال روبيو، في إشارة إلى خطوة إسرائيل بالسماح بدخول الغذاء إلى غزة: “لا أعتقد أنكم كنتم ستشهدون أحداث اليومين الماضيين لولا مشاركتنا ومشاركات الآخرين”.
وتزعم إسرائيل أن الإجراءات القاسية تستهدف حماس لتجبرها على الإفراج عمّن تبقى لديها من أسرى أخذتهم بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومنذ ذلك الوقت، قتلت الحملة العسكرية الإسرائيلية أكثر من 53,000 فلسطيني. ولكن الآمال بوقف قريب للنار، تضاءلت يوم الثلاثاء عندما سحب نتنياهو الفريق المفاوض من قطر.
وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: “هناك فجوة أساسية بين الطرفين”. وحمّلت إسرائيل حماس مسؤولية الفشل في التوصل لاتفاق. وقال قائد هيئة الأركان الجنرال إيال زامير: “ستدفع حماس ثمن رفضها بالقوة العسكرية الغاشمة” و”سنوسع المناورة البرية ونسيطر على المزيد من الأراضي ونطهر وندمر البنى التحتية الإرهابية حتى هزيمة حماس”.
ويقوم الطيران الإسرائيلي بأكثر من 100 غارة يومية على القطاع في عملية أطلق عليها الجيش اسم “عربات جدعون”. وشردت العملية في مدى أيام 97,000 فلسطيني، حسب المتحدثة باسم منسق الأعمال الإنسانية في غزة أولغا تشيرفكو: “يطلب من الناس التحرك ويعتقدون أنهم سيجدون مكانا آمنا، ثم يقصفون”.
وشجبت إسرائيل الضغوط عليها من أوروبا، وبخاصة عندما هددت بريطانيا وكندا وفرنسا بفرض “عقوبات قوية” لو لم تغير إسرائيل مسارها في غزة. وعلق نتنياهو أن التحذير هو “مكافأة لحماس”. ورد وزير الخارجية البريطاني لامي على الاتهام: “معارضة توسيع الحرب التي قتلت آلاف الأطفال ليس مكافأة لحماس” و”العالم يحكم، والتاريخ سيحكم عليهم”.
وفي حين أن إجراءات بريطانيا والاتحاد الأوروبي وجهت رسالةً إلى إسرائيل، إلا أنه لم يتضح فورا ما هو تأثيرها المحتمل. فبريطانيا وإسرائيل تربطهما اتفاقية تجارة حرة بالفعل، ولكي يعلق الاتحاد الأوروبي علاقاته مع إسرائيل، يتطلب ذلك إجماعا داخل الكتلة، وهو ما يبدو غائبا حتى الآن. ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إلا أن دوله الأعضاء منقسمة بشأن استخدام مثل هذه الأدوات للضغط، مع عدم رغبة قوية من جانب داعمي إسرائيل الأوفياء، وبخاصة ألمانيا. إلا أن فرنسا لعبت دورا قياديا في الضغط على نتنياهو بشأن غزة، مما أثار غضب القادة الإسرائيليين.
ورأى المعلق إيشان ثارور في “واشنطن بوست” أنه في الوقت الذي جوعت فيه إسرائيل غزة ودمرتها، فإنها تتحول إلى دولة منبوذة في العالم.
وبعد أكثر من 19 شهرا على الحرب الوحشية، فإن صبر بعض حلفاء إسرائيل في الغرب ينفد على ما يبدو وسط عملية عسكرية جديدة في القطاع.
وأضاف أن العملية العسكرية الجديدة في غزة أثارت غضبا واشمئزازا واسعا، حيث أشارت الحكومات والمنظمات الإنسانية إلى الظروف اليائسة في القطاع المحاصر. ففي الأيام الأخيرة قُتل العشرات من سكان غزة جراء القصف الإسرائيلي، بينما أُجبر عشرات الآلاف مرة أخرى على الفرار داخل القطاع المحاصر الخالي من الأماكن الآمنة والبنى التحتية الأساسية.
ومنذ انهيار وقف إطلاق النار القصير، منعت إسرائيل دخول المواد الغذائية والسلع الإنسانية إلى القطاع. وأشار ثارور إلى تقارير الصحافية عن أن الحصار المستمر وضع أكثر من مليوني شخص في خطر شديد من المجاعة. وتحدث الكاتب عن خطوات الاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاقية التجارة. وكذا البيان المشترك لفرنسا وكندا وبريطانيا الذي تحدث عن “المعاناة الإنسانية التي لا تحتمل في غزة”، والتهديد بفرض عقوبات على إسرائيل إن لم تتخذ قرارات حاسمة لوقف المعاناة والحرب. وجاء فيه: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأعمال الفظيعة” و”إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع قيودها على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ إجراءات ملموسة أخرى ردا على ذلك”.
وقال ثارور إن الإسرائيليين يجدون أنفسهم في موقف المعارضة ضد نتنياهو، ففي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت إن ما تفعله إسرائيل حاليا في غزة “يقترب جدا من جريمة حرب. يقتل آلاف الفلسطينيين الأبرياء، بالإضافة إلى العديد من الجنود الإسرائيليين”.
وكان يائير غولان، زعيم الحزب الديمقراطي ذي الميول اليسارية والجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي، إن “إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة بين الأمم، كجنوب إفريقيا في الماضي، إذا لم تعد للتصرف كدولة عاقلة”. وأضاف: “الدولة العاقلة لا تنخرط في قتال المدنيين ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تجعل من طرد السكان هدفا لها”. ورد غولان على النقد من أفراد حكومة نتنياهو المتطرفين قائلا: “كان هدف تصريحاتي واضحا. هذه الحرب هي تجسيد لأوهام بن غفير وسموتريتش. وإذا سمحنا لهم بتحقيقها، فسنصبح دولة منبوذة”. وقال المعلق نداف إيال، بمقال في صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “من المحزن أن هذه الحكومة قادتنا إلى هذه الزاوية”.
وأشار ثارور إلى أن الساسة في أوروبا والولايات المتحدة يردون على الغضب المتزايد على معاناة غزة. وفي واحدة من أكبر الاحتجاجات التي لم تشهدها هولندا منذ سنوات، سار عشرات الآلاف في لاهاي معارضين لإسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وأشار الكاتب إلى توبيخ لامي الحكومة الإسرائيلية. وفي اليوم نفسه، قالت تانيا فاجون، وزيرة خارجية سلوفينيا، إن عدم مواجهة إسرائيل سيضر بالاتحاد الأوروبي كمشروع سياسي و”فشل الاتحاد الأوروبي في إدانة قتل إسرائيل للمدنيين بوضوح وقوة، يلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بسمعة الاتحاد عالميا وداخليا. الناس والأطفال يتضورون جوعا وعمال الإغاثة يقتلون والاتحاد الأوروبي لا يزال صامتا؟”.
وهناك ضوء أمل في واشنطن أيضا، حيث قال النائب الديمقراطي عن كولورادو، جيسون كرو، إن الولايات المتحدة “فقدت الكثير من قدرتها” على التحدث عن القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان على الساحة العالمية بسبب تناقضها في تطبيق هذه المبادئ على جميع النزاعات، وبخاصة مع إسرائيل، وهو ما فشلت في تطبيقه الإدارة السابقة أيضا.
ومع ذلك، رأت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها أن الفلسطينيين يحتاجون لأفعال أكثر من الأقوال. وقالت إنه وبعد شهرين من قطع جميع الإمدادات، تنكر الحكومة الإسرائيلية الحقيقة الجلية: أن غزة على شفا مجاعة. مضيفة أن الحلفاء الغربيين قادرون على تغيير السلوك الإسرائيلي، وأنهم غير مستعدين بما يكفي للقيام بذلك. وقالت إن قلة الإمدادات تهدف إلى ضمان استمرار الحرب التي تمكن نتنياهو من البقاء سياسيا. وأشارت للتباعد بين نتنياهو وإدارة ترامب، فقد أفادت التقارير أن وزير الخارجية ماركو روبيو اتصل بنتنياهو ثلاث مرات خلال 24 ساعة بشأن منع المساعدات.
وقالت الصحيفة إن لدى الولايات المتحدة القدرة على وقف المذبحة وتحقيق وقف إطلاق النار الذي تشتد الحاجة إليها. لكن ضغط الحلفاء الآخرين يمكن أن يحدث فرقا، إذا كانوا يهتمون بإنقاذ الأرواح، وليس بالقول فقط، وحان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم.
/انتهى/