المسار التاريخي للثورة الإسلامية في إيران..كيف نجحت؟
خاص/تسنيم- منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، عبرت مسيرة الثورة الكثير من العوائق التي وضعها الأعداء على طريقها، خوفا من انتقال عدوى المطالبة بالاستقلال والحرية الى بلدان المنطقة.
تقرير خاص/ تسنيم- ياسر الخيرو- إن الثورة الإسلامية في إيران، لم تكن انقلابا عسكريا قام تحت جنح الليل فتغير مصير دولة خلال يوم واحد، ولم يخطط لها في سراديب فينقلب الحكم فجأة وتتغير المعادلة وفقا لأهواء سياسيين قد لا يعرف عنهم الشعب شيئا؛ بل الثورة الإسلامية، كانت تتويجا لمسار طويل قطعه الشعب الإيراني عبر عقود من الكفاح النبيل لتحقيق ثلاثة مطالب: الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية.
قبل قيام الثورة
قبل قيام الثورة في إيران، كان الشاه محمد رضا بهلوي، ذراعا للاستعمار في المنطقة، وكان يتلقى الاوامر من الغرب، فينفذها مطيعا ويعقد الصفقات مع الغرب وفقا للإرادة الغربية، بل حتى أنه كان يُقدم منحا لدول المنطقة لتسوية ازمات بينها وبين الغرب على حساب الشعب الإيراني، من جانب آخر، منع الشاه الحجاب وحارب الإسلام في البلاد.
الإمام الخميني يدخل خط المواجهة العلنية
في عام 1962 اصدر الشاه مشروع قانون مجالس الأقاليم والولايات، والتي كان محورها محاربة الإسلام، إذ أن المصادقة على هذه اللائحة من قِبل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الإسلام كشرط في المرشحين والناخبين، وكذلك القبول بحذف اليمين الدستورية بالقرآن، فتحول الإمام الخميني الى الدعوة العلنية لمواجة النظام الملكي ودعا المرجعية الدينية في الحوزات العلمية وأبناء الشعب للإنتفاضة والثورة.
تراجع الشاه
وسرعان ما آتى التحرك العلني للإمام الخميني ثماره، فبسبب برقيات التحذير التي بعثها الإمام إلى رئيس الوزراء لذلك الوقت، وخطاباته ضد حكومة شاه، وتأييد المراجع الدينية لمواقفه، إنطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في كلٍّ من مدينة قم وطهران والمدن الأخرى، مما اضطُر نظام الشاه الى إلغاء مشروع القانون والتراجع عن مواقفه.
الإمام الخميني في سيارة بعد اعتقاله
اعتقال الإمام الخميني (رض)
في الحادي والعشرين من آذار عام 1963، هاجم جلاوزة النظام المدرسة الفيضية بمدينة قم، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب الإمام الخميني وتصريحاته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران، ليتم اعتقاله إثر ذلك.
وبمجرّد أن سمعت الجماهير خبر اعتقاله، نزلت إلى الشوارع منذ الساعات الأولى من فجر الخامس من حزيران 1963 م ، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة مدينة قم، التي شهدت أكبر هذه الاستنكارات، والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكانت نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم.
اعلان الأحكام العرفية
وتبع ذلك إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في طهران، ليشتد قمع التظاهرات، حيث فتحت قوات الحكومة العسكرية النار باتجاه المتظاهرين المدنيين مما ادى الى سقوط الآلاف بين شهيد وجريح، وحينها تصاعد الغضب الشعبي ليضطر النظام الى اطلاق سراح الإمام الخميني بعد عشرة أشهر تقريباً.
في تركيا مُنع الإمام الخميني من ارتداء العباءة ووضع العمامة
الحصانة القضائية للأمريكان والنفي الإمام
خضوعا للاوامر الغربية صادقت الحكومة الإيرانية قانون الحصانة القضائية الذي نص على منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميركيين الحصانة القضائية. فأرسل الإمام مبعوثية إلى مختلف أنحاء البلد، معلنا عن عزمه إلقاء خطاب في العشرين من يونيو عام 1963 مـ. وهذا ما قام به من دون ان يبالي بتهديد النظام ووعيده. فانتقد مشروع قانون الحصانة القضائية، وهاجم الرئيس الأميركي آنذاك بشدة. أما نظام الشاه فقد رأى أنّ الحل الأمثل يكمن في نفي الإمام إلى خارج إيران، وهذا ما تم للنظام في الثالث من تشرين الثاني 1964 بعد هجوم على منزل الإمام شاركت فيه القوات الخاصة الى جانب المظليين وتم ترحيل الإمام أولاً إلى مدينة أنقرة (تركيا)، ومن ثم إلى مدينة بورسا التركية. وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبته، بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي.
الإمام الخميني في منزله بالنجف الأشرف
الإمام الخميني في العراق
في الخامس من تشرين الأول 1965م توجه الإمام الخميني بصحبة ابنه السيد مصطفى الخميني من تركيا إلى منفاه الثاني في العراق. بعد وصول الإمام الخميني إلى بغداد سارع لزيارة مراقد الأئمة الأطهار (ع) في الكاظمية وسامراء وكربلاء، لينتقل بعد أسبوع إلى محل إقامته الرئيس في مدينة النجف الأشرف، التي بقي فيها 13 عاما.
خلال هذه المدة بقي الإمام الخميني على تواصل مع نوابه ومبعوثيه في إيران وقام بالتدريس في النجف الأشرف، و في النصف الثاني من سنة 1971م تصاعدت شدة الخلاف بين النظام البعثي العراقي وشاه إيران ما أدى إلى طرد وتشريد الكثير من الإيرانيين المقيمين في العراق. فبعث الإمام الخميني برقية لرئيس الجمهورية العراقية أدان فيها ممارسات نظامه بشدة.
مصطفى، نجل الإمام الخميني
محاولة مغادرة العراق واستشهاد مصطفى الخميني
ولأجل إعلان معارضته لهذه الظروف والأحوال قرر الإمام مغادرة العراق، لكن حكام بغداد تنبهوا إلى تبعات هجرة الإمام من العراق فلم يسمحوا له بمغادرة العراق في ذلك الظرف.
في 23 تشرين الاول عام 1977 استشهاد نجل الإمام السيد مصطفى الخميني في النجف الأشرف، وكان استشهاده حافزا لانتفاضة أخرى فجرتها الحوزات العلمية والمجتمع الديني في إيران.
الإمام الخميني في ضاحية نوفل لوشاتو بباريس
من منفى الى منفى
خلال لقاء وزيري خارجية إيران والعراق في نيويورك تقرر إخراج الإمام الخميني من العراق. وفي 24 أيلول عام 1978 حوصر بيت الإمام في النجف الأشرف من قبل عناصر الأمن البعثية في العراق، ليغادر الإمام الخميني النجف الأشرف في 4 تشرين الأول من نفس العام متجها نحو الحدود العراقية الكويتية فرفضت الحكومة الكويتية بإيعاز من نظام الشاه دخول الإمام إلى أراضيها.
الإمام الخميني في باريس
وتوجه الإمام الخميني الى باريس بعد استشارته نجله حجة الإسلام السيد أحمد الخميني، فوصل العاصمة الفرنسية في 6 تشرين الأول. وأقام الإمام في بيت أحد الإيرانيين في منطقة نوفل لوشاتو إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية، فسارع قصر الإليزيه لإبلاغ إلإمام الخميني قرار الرئيس الفرنسي بضرورة تحاشيه أي نشاط سياسي في فرنسا.
فكانت فطنة الإمام وعزيمته مفتاح الحل فرد بحدة معتبرا أن هذه القيود على الضد تماماً من دعاوى الديمقراطية الغربية، وأنه لن يترك العمل في سبيل أهدافه حتى لو اضطر للتنقّل الدائم من مطار إلى مطار ومن بلد إلى آخر.
صورة نادرة لمغادرة بهلوي للأراضي الإيرانية
الشورى الملكية وحكومة بختيار
بلغت الاحتجاجات الشعبية ضد الشاه ذروتها في كانون الاول 1978، خلال شهر محرم. وفي 12 كانون الأول خرج إلى شوارع طهران نحو مليوني شخص ملأوا ساحة آزادي مطالبين باسقاط الشاه وعودة الإمام الخميني.
في 16 كانون الثاني 1979 هرب الشاه إيران بعد تشكيله الشورى الملكية وإحرازه ثقة البرلمان على حكومة شاهبور بختيار الموالية له، وظهرت مشاهد الابتهاج العفوي، ودمرت خلال ساعات "كل رموز الدولة البهلوية".
وفي أواخر كانون الثاني 1979م ذاع خبر عودة الإمام إلى البلاد، بعد سنوات من نفيه، إلا أن الجماهير كانت في حالة توجس وقلق لأن حكم الشاه كان ما يزال قائما وقد أعلنت حالة الطوارئ العسكرية.
ترجل الإمام من الطائرة
طائرة الإمام تتحدى حكومة الشاه
بيد أن الإمام كان قد اتخذ قراره وذكر في نداءاته للشعب الإيراني أنه يريد أن يكون بجانب شعبه في هذه الأيام المصيرية الخطيرة. فما كان من حكومة بختيار إلا أن أغلقت مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية بتنسيق مع الجنرال الأمريكي هايزر، غير أنها لم تستطع الإصرار طويلاً على قرارها هذا واضطرت للرضوخ لإرادة الأمة فحلَّ الإمام الخميني عائداً إلى وطنه صبيحه 1/2/1979م. وكان في استقباله 4 الى 6 ملايين شخص حسب وكلات الأنباء الغربية.
انتصار الثورة
هكذا نجحت الثورة الإيرانية! وفي الجزء التالي من سلسلة "الثورة الإسلامية في ذكراها الـ 38 ..كيف شقّ خطابها الطريق؟".. سنتناول كلمات الإمام الخميني (رض) حول تصدير الثورة.
/انتهى/