الأورومتوسطي يوثق تدمير 300 وحدة سكنية بغزة عبر العربات المفخخة
أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدمر يومياً في مدينة غزة وبلدة جباليا شمال قطاع غزة، نحو 300 وحدة سكنية كلياً أو جزئياً، باستخدام نحو 15 عربة مفخخة، يطلق عليها محلياً اسم الروبوتات، تحمل ما يقارب 100 طن من المتفجرات.
وبيّن المرصد في بيان صحفي، أنّ هذه التفجيرات تجري بوتيرة متسارعة وغير مسبوقة، تحقيقاً للهدف المعلن بتدمير مدينة غزة وتهجير سكّانها، وفي إطار التصعيد الخطير لجريمة الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ حوالي 23 شهراً.
ولفت إلى أنّ فريقه الميداني وثّق تكثيف جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدام العربات المدرّعة المسيّرة المفخخة بأطنان المتفجرات، لتدمير ومحو المربعات السكنية بوتيرة متصاعدة، إذ دمّر بالفعل معظم المنازل والبنى التحتية في منطقتي جباليا البلد والنزلة، ويزحف في ذات الوقت بالتدمير الشامل نحو قلب مدينة غزة من محاورها الجنوبية والشرقية والشمالية.
ولفت الأورومتوسطي إلى أنه منذ إعلان جيش الاحتلال الأسبوع الماضي إنهاء ما كان يسمّيها الهدنة الإنسانية المؤقتة في مدينة غزة، والتي كان يزعم أنّها تسري في ساعات النهار، وثّق الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي تضاعف عدد العربات المفخخة التي يفجّرها الجيش من نحو سبع عربات إلى ما قد يصل إلى 15 عربة مفخخة يومياً.
وبين أن الجيش يُجهّز العربات بمواد شديدة الانفجار يصل وزنها في بعض الأحيان إلى نحو سبعة أطنان، ويتم توجيهها للتفجير في منطقتي جباليا البلد وجباليا النزلة شمالي مدينة غزة، وأحياء الزيتون والصبرة والشجاعية والتفاح جنوبي وشرقي مدينة غزة، ومنطقتي “الصفطاوي” و”أبو إسكندر” شمال غربي المدينة.
وأكّد الأورومتوسطي أنّ الوتيرة غير المسبوقة لتدمير ومسح الأحياء السكنية في مدينة غزة بواسطة العربات المفخخة تشير إلى أنّ إسرائيل مصمّمة على تنفيذ خطتها لمحو المدينة من الوجود، إذ تشير التقديرات إلى أنّها قد تحتاج إلى شهرين فقط لتدمير باقي المدينة قياساً على الوتيرة الحالية، والتي قد تتصاعد مع مرور الوقت، نظراً للإمكانات النارية الهائلة التي يمتلكها جيش الاحتلال، وغياب أي عوامل ضاغطة على إسرائيل لوقف جرائمها ضد الفلسطينيين.
تقديرات أولية
وقدّر المرصد أنّ كل عربة مفخخة كفيلة بتدمير نحو 20 وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي بالغ، وهو ما يعني على المدى الزمني القريب خسارة مئات آلاف الأشخاص لمنازلهم وأماكن إيوائهم، وإجبارهم على النزوح مرة أخرى في ظروف مميتة، ودون أدنى مقومات البقاء والنجاة.
وبيّن الأورومتوسطي أنّ العربات المفخخة هي في الأساس آليات عسكرية إسرائيلية (مثل ناقلات جند قديمة)، يجري تحميلها بأطنان من المواد المتفجرة، وتسييرها عن بُعد وسط الأحياء المدنية، بحيث يوجّهها الجيش لتنفجر في مواقع مختارة بعناية، لإحداث أقصى قدر ممكن من الدمار، موضحاً أنّه في بعض الحالات لا تُفخّخ العربة ذاتها، بل تُجهّز بصناديق ضخمة محملة بالمتفجرات، حيث تُقاد إلى الموقع المستهدف وتُفرغ حمولتها، ثم تعود إلى مشغّليها لإعادة استخدامها في عمليات أخرى، ما يكشف عن نهج عسكري منظّم لتدمير الأحياء السكنية بطريقة ممنهجة ومضاعفة الأثر التدميري.
إرهاب نفسي
وكذلك نبه إلى أنّ الأثر الكارثي للعربات المفخخة لا يقتصر على التدمير المادي للأحياء السكنية، بل يتعداه إلى استخدام منهجي للإرهاب النفسي ضد السكان المدنيين، إذ يتعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي تفجير معظم تلك المفخخات في ساعات متأخرة من الليل أو في الفجر، لإشاعة أقصى درجات الرعب والفزع ودفع السكان قسراً إلى النزوح، حيث تُحدث التفجيرات أصواتاً مدوّية تهزّ أرجاء مدينة غزة، فيما ترتجف المباني المتبقية تحت وطأة الموجات الانفجارية العنيفة، بما يضاعف معاناة السكان ويحوّل حياتهم اليومية إلى حالة دائمة من الرعب وانعدام الأمان.
وبيّن أن دوي الانفجارات الناجمة عن تفجير العربات المفخخة يصل في كثير من الأحيان إلى مسافات بعيدة تتجاوز مساحة قطاع غزة بأكمله، حيث يُسمع على نطاق يزيد عن 40 كيلومتراً من مركز الانفجار، وهو ما يعكس التدمير الواسع الذي يخلّفه هذا النوع من الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل لمحو المدن في قطاع غزة.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ أول توثيق لاستخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لهذا النوع من العربات المفخخة في تدمير المربعات السكنية، سُجّل خلال الحملتين اللتين استهدف فيهما مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة في مايو/ أيار وأكتوبر/ تشرين الأول 2024، قبل أن يتوسّع نطاق استخدامها ليشمل مختلف مناطق قطاع غزة.
وشدّد على أنّ استخدام إسرائيل للعربات المفخخة محظور بشكل صريح بموجب القانون الدولي الإنساني، إذ تُعد من الأسلحة العشوائية بطبيعتها التي لا يمكن توجيهها بدقة أو حصر آثارها في نطاق الأهداف العسكرية وحدها، مؤكداً أنه وبسبب طبيعتها الانفجارية واسعة النطاق، فهي تصيب المدنيين والأعيان المدنية بشكل مباشر وعشوائي، في خرق واضح لمبدئي التمييز والتناسب، وهما من الركائز الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
وهذه الأسلحة، وفق المرصد، تُدرَج ضمن فئة الأسلحة المحظورة، وإنّ استخدامها في المناطق السكنية يشكّل جريمة حرب بحد ذاتها، ويشكل كذلك جريمة ضد الإنسانية طالما نتج عنه قتل واسع، أو تهجير قسري، أو حرمان من شروط الحياة الأساسية، في إطار هجوم منهجي أو واسع النطاق موجّه ضد السكان المدنيين.
إلى جانب ذلك، قال الأورومتوسطي، إن الاستخدام المنهجي للعربات المفخخة على النحو القائم، لتدمير الأحياء السكنية وحرمان السكان من منازلهم وشروط بقائهم، يحوّلها إلى أداة مباشرة لارتكاب فعل إبادة جماعية، فهذا النمط من التدمير يدخل بوضوح ضمن الأفعال المعرّفة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وبالأخص تعمّد فرض ظروف معيشية يُقصد بها إهلاك الجماعة كلياً أو جزئياً.
وأوضح أنّ استخدام هذه الوسائل التدميرية، وفي مقدمتها العربات المفخخة، لا يقتصر أثره على إزهاق الأرواح وتشريد السكان في ظروف قاتلة فحسب، بل يهدف أيضاً إلى محو الأحياء السكنية والبنية التحتية بشكل كامل، بما يحول دون أي إمكانية لإعادة الحياة إلى المدينة، ويقوّض مستقبل الفلسطينيين وحقهم الأصيل في البقاء على أرضهم والعودة إلى ديارهم.
والعربات المفخخة لا تمثّل سوى واحدة من الوسائل التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي لمسح المدن في قطاع غزة، إذ تندرج ضمن ترسانة متكاملة من أدوات التدمير، تشمل القصف الجوي بالصواريخ والقنابل الثقيلة، والقصف المدفعي المتواصل، وإلقاء القنابل والصناديق المتفجرة عبر الطائرات المسيّرة، فضلاً عن تفخيخ المباني مباشرة بالمتفجرات ونسفها، وأخيراً استخدام الجرافات العسكرية والمدنية لإزالة المباني المدمّرة وما تبقّى منها، وفق بيان المرصد الحقوقي.
/انتهى/