باراك يفضح نفسه: وقاحة دبلوماسية وصفعة على وجه الصحافة اللبنانية

باراک یفضح نفسه: وقاحة دبلوماسیة وصفعة على وجه الصحافة اللبنانیة

ما فعله الضيف الوقح باراك في قصر بعبدا لم يكن مجرد "زلة لسان"، بل كان إهانة متعمدة وصفعة على وجه كل صحفي لبناني. ووقاحة بهذا الحجم ليست مجرد تجاوز بروتوكولي، بل فضيحة سياسية وأخلاقية، كشفت عن عقلية استعلائية ترى في لبنان وأهله مجرد أدوات هامشية لا تستحق الاحترام.

تسنيم/ أمل شبيب

لم تكن جلسة الأمس في قصر بعبدا حدثاً عادياً،  فالمؤتمر الصحفي الذي عُقد بحضور السفير الأمريكي والمبعوث الخاص للشرق الأوسط "توم باراك" تحوّل من مناسبة دبلوماسية إلى ساحة توتر، بعدما أطلق تصريحات مهينة بحق الصحفيين اللبنانيين.

لبنان، رغم كل ما يمرّ به من توترات، وما مرّ به سابقاً، لم يشهد موقفاً بهذه الدرجة من الوقاحة الدبلوماسية، ففي قصر بعبدا لم تكن إهانة باراك مجرد كلمات متعجرفة، بل تعدّياً واضحاً على بروتوكولات قصر بعبدا.

المؤتمرات الصحفية في القصر الجمهوري تخضع لأصول صارمة تضمن الاحترام المتبادل بين الضيف والصحفيين، وأي مسؤول، مهما علا شأنه، يلتزم بهذه القواعد بوصفه في حضرة "الرئاسة اللبنانية".

لكن باراك تصرّف وكأنه فوق البروتوكول، متجاوزاً كل الأعراف، ليوجه كلاماً سوقياً إلى صحفيين يقومون بواجبهم المهني. هذا الخرق لم يكن إساءة إلى الإعلاميين فحسب، بل مسّ أيضاً بهيبة المؤسسة الرئاسية، التي يفترض أن تشكّل ضمانة لاحترام لبنان وسيادته أمام ضيوفه الأجانب.

وأمام عدسات الإعلام، أطلق باراك تصريحاته المتعالية، بكلمات متعالية ومقززة، واصفاً سلوكهم بـ"الحيواني"،  مهدداً بمغادرة القاعة إذا لم "يتصرف الصحفيون بطريقة حضارية".

هذه الكلمات لم تكن مجرد زلة لسان أو خطأ بروتوكولياً عابراً، بل مسّ بجوهر حرية الصحافة وكرامة من يمارسها وكانت صفعة قوية متعمدة على وجه الصحافة اللبنانية، ومحاولة لوضع الإعلام في موقع التابع المطيع.

لم يهن الحضاري المتغطرس "باراك" الصحفيين فقط، بل أهان لبنان كله، فحين تجرأ الأميركي على وصف الإعلاميين اللبنانيين بأنهم "يتصرفون مثل الحيوانات"، كان يصفع بوقاحته تاريخاً طويلاً من التضحيات والحرية. إنها ليست مجرد كلمات عابرة، بل إهانة مباشرة لبلد اعتاد أن يكون منارة الصحافة في العالم العربي.

ما فعله الضيف الوقح باراك في قصر بعبدا لم يكن مجرد "زلة لسان"، بل كان إهانة متعمدة وصفعة على وجه كل صحفي لبناني. ووقاحة بهذا الحجم ليست مجرد تجاوز بروتوكولي، بل فضيحة سياسية وأخلاقية، كشفت عن عقلية استعلائية ترى في لبنان وأهله مجرد أدوات هامشية لا تستحق الاحترام.

تصريح يكشف الغطرسة الأمريكية

"باراك" الذي يتصرف ويملك عقلية استعمارية، لم يخفِ استعلاءه. قالها بوضوح: "إذا بدأ الأمر يصبح فوضوياً، كالحيوانات، سنرحل. كونوا حضاريين وطيبين ومتسامحين."

بهذه العبارة، سقطت كل الأقنعة: لا دبلوماسية، ولا لياقة، ولا احترام لمكان رسمي هو رمز السيادة اللبنانية. بدا وكأنه في معسكر يوزّع الأوامر على جنود، لا في مؤتمر صحفي يجيب فيه على أسئلة مشروعة.

ما قاله باراك لا يعكس مجرد ضيق صدر من أسئلة الإعلام، بل يكشف ذهنية استعلائية ترى في لبنان ساحة صغيرة لا تستحق الاحترام، وفي الصحافة اللبنانية مجموعة "فوضويين" ينبغي ترويضهم. إنه لم يتحدث بلسان دبلوماسي، بل بلسان مستعمر قديم يظن أنه ما زال سيداً واللبنانيون رعايا، متعاملاً مع قصر بعبدا كأنه معسكر مؤقت لا صرح سيادي تُفرض فيه قواعد الاحترام. بهذه الذهنية، أسقط باراك نفسه إلى مستوى المتنمّر المتغطرس، لا الضيف المحترم.

أيها المتغطرس: الصحافة اللبنانية ليست قطيعاً

من يجهل تاريخ الصحافة اللبنانية قد يظن أن وقاحة "باراك" ستمر مرور الكرام، لكن الحقيقة أن الصحافة في لبنان كانت دائماً في قلب المعركة من أجل الحرية والسيادة، وقدمت الصحافة والإعلام اللبنانيين الشهداء لأجل الكلمة والحقيقة، وشهد شاهد أن أقلام حرة واجهت الديكتاتوريات والاحتلالات، وان هناك إعلاميين لم يرضخوا للترهيب ولا للرشاوى. فكيف يجرؤ سفير على وصف هؤلاء بأنهم "حيوانات"؟، أي وقاحة أكبر من أن يُهان ميدان دفع أبناؤه دماءهم على مذبح الحرية؟.

كيف يتصرف هكذا ضيف وقح في بيت ليست بيته؟ بل أن أكثر ونسبة كبيرة من اللبنانيين لا ترحب بقدومه؟.

أظهرت وقاحة باراك أنه متحدث متكبر، يوزّع الشتائم بدل الرسائل، وأنه رجل بروتوكولات مكسورة وأخلاق ساقطة، لم يظهر  نفسه كدبلوماسي بل كمتنمّر ببدلة رسمية، غريب متعجرف دخل بيتاً لا يعرف قيمته."

 

لبنان , أمريكا , توم باراك , توماس براك , بيروت , السفيرة الأمريكية لدى لبنان ليزا جونسون , جوزف عون ,

ردود لبنانية غاضبة وموحدة

إهانة بهذا الحجم، حجم الوطن، لم يكن ممكناً أن تمر بصمت، فقد تحولت كلمات باراك الوقحة إلى شرارة أشعلت موجة غضب واسعة، تجاوزت حدود الجسم الصحفي لتشمل مختلف المؤسسات الرسمية والسياسية. كان واضحاً أن ما فعله المبعوث لم يُعتبر مجرد تجاوز فردي، بل إهانة مباشرة لكرامة لبنان، ما استدعى ردوداً متسارعة وحاسمة:

•        نقابة المحررين أكدت أن "كرامة الصحفيين خط أحمر لا يُمسّ"، وطالبت باعتذار علني.

•        نقابة المصورين وصفت كلامه بأنه "سابقة خطيرة ومهينة".

•        لجنة الإعلام في البرلمان طالبت باستدعائه ومساءلته على الفور.

•        وزارة الإعلام عبّرت عن أسفها الشديد، مؤكدة أن لبنان لن يقبل بإهانة صحفييه.

•        حتى رئاسة الجمهورية اضطرت إلى إصدار بيان اعتذار عن "زلة لسان" ضيفها، محاولةً إنقاذ ماء الوجه.

هذا الإجماع غير المسبوق من المؤسسات الصحفية والسياسية كشف حجم الصدمة التي خلّفتها كلمات باراك، وأكد أن الإهانة لم تطل فقط الإعلاميين، بل لبنان بأسره.

ليست فوضى… الصحافة سلطة

باراك وصف أسئلة الصحفيين ومحاولاتهم لممارسة دورهم بأنها "فوضى"، لكن الحقيقة أن ما يسميه فوضى هو بالضبط جوهر العمل الصحفي:

•        طرح الأسئلة الصعبة التي يهرب منها المسؤولون.

•        مقاطعة المراوغين حين يحاولون الالتفاف على الحقيقة.

•        ملاحقة الوقائع مهما حاول أهل السلطة دفنها.

الصحافة لكل من يجهلها، لـ"باراك"وغيره"،  ليست زينة للمؤتمرات ولا تابعة لكرسي مسؤول متغطرس، بل هي سلطة رابعة توازي في قوتها السلطات الثلاث، وبدونها تسقط الديمقراطية في فراغ قاتل.

من يصف الإعلام بالفوضى إنما يكشف خوفه العميق من الحقيقة، لأن الكلمة الحرة هي السلاح الوحيد الذي لا تستطيع الجيوش ولا السفارات قمعه، السفارات التي تأتي الى لبنان وتحاول شراءه وبيعه كما يحلو لها، ثم إهانته أمام الملأ، لأنها تعمل أن أحداً لن يطالها مهما بلغت الإساءة.

ولبنان بالذات ليس بلداً غريباً عن هذا الدور؛ فصحافته كانت عبر عقود مدرسة للحريات في الشرق، وملجأً للأصوات حين صمتت الصحف العربية الأخرى تحت قبضة الديكتاتوريات. لذلك، حين يستخف باراك بالصحافة اللبنانية، فهو يستخف بتاريخ طويل من التضحيات، بدماء الشهداء الذين قُتلوا لأنهم كتبوا الحقيقة، وبأجيال كاملة من الإعلاميين الذين رفعوا اسم لبنان عالياً في ساحات الحرية.

إن من لا يحتمل سؤال صحفي أو مقاطعة مشروعة، الأجدر به أن يلزم بيته، لا أن يتبجّح في قصر بعبدا. لأن الصحافة ستبقى سلطة تراقب وتكشف وتدين، مهما حاول المتغطرسون إسكاتها.

سقوط الدبلوماسية الأميركية... كرامة لبنان ليست للتفاوض

في أعراف الدبلوماسية، يُفترض بالضيف الدبلوماسي أن يكون متوازناً، متفهماً لحساسية الشعوب المضيفة، وممثلاً لبلاده بأرقى أسلوب من اللباقة والاحترام. لكن باراك أظهر الوجه الحقيقي للدبلوماسية المتغطرسة، تلك التي ترفع شعار "التسامح" بينما تمارس أسوأ أشكال الإهانة.

وليس جديداً أن يتعامل بعض المسؤولين الأمريكيين مع لبنان بعقلية الوصاية، لكن ما جرى هذه المرة صادم لأنه خرج عن حدود التلميح واللغة المواربة، ليتجسد في كلمات سوقية علنية لا تليق لا بدبلوماسي ولا حتى بزائر عادي. إنها إهانة مباشرة، بلا رتوش، في قصر رئاسي هو رمز السيادة والكرامة الوطنية.

الوقاحة هنا ليست مجرد "خطأ بروتوكولي"، بل رسالة متعمدة: استخفاف بالبلد المضيف، واستهانة بدوره، وإصرار على التعامل معه كطرف ضعيف يمكن تقزيمه بكلمة متعالية. وما يزيد الطين بلّة أن باراك لم يكتفِ بإهانة الصحفيين، بل تجاوز أيضاً هيبة الموقع الرئاسي، ضارباً عرض الحائط بالبروتوكولات التي تحكم كل علاقة دبلوماسية محترمة.

هذه ليست سابقة معزولة. تاريخ العلاقة الأمريكية – اللبنانية مليء بمواقف يظهر فيها الاستعلاء على سيادة لبنان، لكن ما فعله باراك يختلف في جرأته الوقحة: فقد كشف الوجه الحقيقي لدبلوماسية لا ترى في لبنان دولة شريكة، بل "ساحة" صغيرة يمكن مخاطبتها بلغة الأمر والنهي. وهذا بالذات ما يجعل ما حدث خطيراً: لأنه يفتح الباب لمزيد من الاستهتار إذا لم يجد موقفاً لبنانياً حازماً يضع حداً لهذه التجاوزات.

 

لبنان , أمريكا , توم باراك , توماس براك , بيروت , السفيرة الأمريكية لدى لبنان ليزا جونسون , جوزف عون ,

الوقاحة لا يجب أن تمرّ

إذاً، قالها "باراك" ووصف الجسم الإعلامي بـ "الحيوانات"، وهنا الغضب وحده لا يكفي. المطلوب أن يتحول هذا الغضب الشعبي والإعلامي والسياسي إلى خطوات عملية واضحة، تُثبت أن لبنان لا يقبل المساومة على كرامته. فالمسألة ليست خلافاً عابراً في مؤتمر صحفي، بل قضية سيادة وحرية رأي، ويجدر اتخاذ الخطوات التالية:

1.       المقاطعة الإعلامية: على المؤسسات الإعلامية اللبنانية أن ترفع سقفها بمقاطعة كل المؤتمرات الصحفية التي يحضرها باراك حتى يقدّم اعتذاراً علنياً وصريحاً. هذا السلاح سيفقده المنبر الذي يستخدمه للتبجح، ويُظهر أن الإعلام يملك القوة لا أن يُهان.

2.       إجراءات دبلوماسية حازمة: استدعاء باراك من قبل وزارة الخارجية وتوبيخه بشكل رسمي خطوة ضرورية، ليس فقط كردّ اعتبار للصحفيين، بل أيضاً لتثبيت معادلة أساسية: أن من يدخل لبنان يجب أن يحترم قواعده وسيادته.

3.       حملة تضامن إعلامية داخلية وخارجية: المطلوب أن تتحرك نقابات الصحافة والإعلام اللبنانية بالتنسيق مع اتحادات الصحافة العربية والدولية، لإطلاق حملة واسعة تفضح سلوك باراك أمام الرأي العام العالمي. فالإهانة لم تصب لبنان وحده، بل كل المدافعين عن حرية الكلمة.

4.       التلويح بإجراءات أكثر صرامة: لا يمكن أن يبقى باب السفارة الأمريكية في بيروت مفتوحاً لمن يمارس الغطرسة بلا حساب. إذا تكررت الإهانات، لا بد من التلويح بطرده أو اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه (Persona non grata)، لأن كرامة لبنان ليست ورقة في لعبة دبلوماسية.

5.       رسالة إلى الإدارة الأمريكية: يجب أن يُفهم بوضوح أن حرية الصحافة في لبنان ليست مادة للمساومة، ولا بنداً ثانوياً في العلاقات الثنائية. أي إساءة جديدة ستُفتح معها أبواب أزمة دبلوماسية، ولن تُقابل بسياسة "الاعتذار البارد".

هذه الخطوات ليست ترفاً سياسياً ولا "مبالغة لبنانية" كما قد يحاول البعض تصويرها، بل هي السبيل الوحيد للحفاظ على هيبة الدولة وحماية حرية الإعلام. وإذا لم تُتخذ، فإن ما جرى سيتحوّل إلى سابقة خطيرة تشجع كل متغطرس على التعامل مع لبنان كمنصة للإهانات المجانية.

 

لبنان , أمريكا , توم باراك , توماس براك , بيروت , السفيرة الأمريكية لدى لبنان ليزا جونسون , جوزف عون ,

جلّاد للكلمة... لا حصانة للوقاحة

لم يأت مبعوث التعالي الأميركي باراك دبلوماسياً، بل جاء جلّاداً للكلمة الحرّة، حاول أن يُرهب الصحفيين بكلماته الوقحة، لكنه لم يفلح سوى في فضح نفسه. لبنان ليس بلداً صغيراً يُهان فيه الإعلام بلا ردّ، والصحافة ليست ديكوراً لتلميع صورة السفراء، بل سلطة حقيقية أقوى من أي دبلوماسي عابر.

من يهين الصحافة يهين لبنان كله، ومن يستخفّ بالكلمة الحرة، يستخفّ بالشعب بأسره.

أما الصحافة اللبنانية، فقد علّمت العالم معنى الحرية، ولن ينال من مكانتها سفير وقح ولا دولة متغطرسة.

/إنتهى/

المواضيع ذات الصلة
المواضيع ذات الصلة
الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة