مدار "جيو" وأهمية الوصول الإيراني إلى هذا الارتفاع الاستراتيجي
مع تطوير "بلوك النقل المداري سامان" وإطلاق القمر الصناعي "ناهيد-2"، باتت إيران أمام مرحلة حاسمة تفرض عليها بلوغ المدار المتزامن مع الأرض (GEO) كخيار وحيد لتحقيق استقلالها في مجال الاتصالات وبناء بنية تحتية متقدمة للاتصالات الفضائية.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأنه يُعد الوصول إلى المدار الجيوثابت، الذي يقع على ارتفاع نحو 35,786 كيلومتراً من سطح الأرض، محطة مفصلية في تكنولوجيا الفضاء، إذ يمكّن القمر الصناعي من البقاء ثابتاً بالنسبة لنقطة محددة على الأرض، ما يمنحه تغطية مستمرة لمنطقة واسعة على مدار الساعة. هذه الميزة جعلت جميع أقمار الاتصالات والبث التلفزيوني ومحطات الرصد المناخي وحتى أقمار الإنذار المبكر تعتمد هذا المدار، ما يتطلب تقنيات متقدمة في النقل المداري ومحركات قوية.
إطلاق "ناهيد-2" – المصمم والمصنوع محلياً – بواسطة صاروخ "سويوز" الروسي إلى المدار الأرضي المنخفض (LEO) أعاد إلى الواجهة ملف دخول إيران إلى نادي الدول المالكة لأقمار الاتصالات العاملة في مدار "جيو". هذه الخطوة تمثل تعاوناً دولياً وبداية فعلية نحو تفعيل البنية التحتية للاتصالات المتقدمة في البلاد.
لماذا يحظى المدار الجيوثابت بأهمية خاصة؟
المدار الجيوثابت (GEO - Geostationary Orbit) هو مدار على ارتفاع تقريبي يبلغ 35,786 كيلومترًا فوق سطح الأرض، حيث يظل القمر الصناعي ثابتًا ظاهريًا فوق نقطة واحدة من خط الاستواء. تكمن الأهمية الاستراتيجية لهذا المدار في صناعة الفضاء بخصائصه الفريدة:
التغطية الدائمة والواسعة: القمر الصناعي في المدار الجيوثابت يمكنه، دون حركة ظاهرة بالنسبة للأرض، تغطية منطقة واسعة على مدار 24 ساعة. هذه الخاصية ضرورية للاتصالات، التلفزيون، والإنترنت الفضائي.
ثبات رابط الاتصال: على عكس المدارات المنخفضة (LEO/MEO) حيث تتحرك الأقمار باستمرار وتحتاج إلى محطات إرسال واستقبال متعددة، في المدار الجيوثابت يمكن لطبق استقبال ثابت أن يظل متصلاً بالقمر الصناعي بشكل دائم.
سعة اتصالات أكبر: بفضل الاستقرار، يمكن توصيل عدد أكبر بكثير من المحطات الطرفية بالقمر في نفس الوقت. جميع شبكات الاتصالات التلفزيونية التقليدية وشبكات الإنترنت العالمية (مثل VSAT، إنمارسات، يوتلست، هوتبرد وغيرها) تعتمد على مدار GEO.
لهذا السبب، فإن وضع الأقمار الصناعية الإيرانية للاتصالات في مدار GEO يُعد شرطًا أساسيًا لدخول إيران إلى نادي الدول التي تمتلك شبكات اتصالات مستقلة قائمة على الأقمار الصناعية، وهو أحد المتطلبات الاستراتيجية لصناعة الفضاء في البلاد.
ناهيد 2؛ من الإطلاق بواسطة صاروخ سويوز إلى تحقيق الاتصالات في مدار GEO
القمر الصناعي ناهيد 2، الذي أُطلق مؤخرًا بواسطة الصاروخ الروسي سويوز إلى مدار منخفض حول الأرض (LEO على ارتفاع 500 كيلومتر)، هو نموذج رائد لاختبار تقنيات الاتصالات المحلية. هذا الإطلاق يدل على أن تقنية تصميم وبناء الأقمار الصناعية قد تم توطينها في إيران، لكن الخطوة التالية والحاسمة هي إرسال قمر اتصالات إلى المدار الجيوثابت وتشغيله لتقديم خدمات مستقرة ومستقلة.
الإطلاق عبر سويوز سمح لاختبار القمر الصناعي بمعايير عالمية في مدار منخفض LEO، لكن في المرحلة القادمة، يجب نقل أقمار الجيل القادم إلى ارتفاعات أعلى وإلى مدار GEO، وهذا يتطلب تقنيات خاصة.
تقنيات نقل القمر الصناعي إلى مدار GEO
عملية نقل القمر الصناعي من مدار LEO إلى مدار GEO تتطلب مجموعة معقدة ومتقدمة من تقنيات الفضاء، ويمكن تلخيصها كما يلي:
الإطلاق الأولي (بواسطة صاروخ متعدد المراحل):
يُطلق القمر الصناعي بواسطة صاروخ متعدد المراحل (مثل سويوز، آريان، فالكون 9، لونغ مارش) إلى مدار منخفض أو مدار انتقالي أولي.
مرحلة النقل المداري (Upper Stage):
التقنية الرئيسية لنقل القمر إلى مدار GEO تعتمد على مرحلة النقل المداري (Orbital Transfer Vehicle / Upper Stage). بعد دخول القمر الصناعي إلى مدار منخفض، تقوم هذه المرحلة بتشغيل محركها لنقل القمر إلى مدار بيضوي انتقال GEO يسمى GTO (Geostationary Transfer Orbit). في نقطة الأوج (Apogee)، يعمل محرك آخر، إما على القمر الصناعي أو كمرحلة منفصلة، لتدوير المدار ودخول القمر في مدار GEO المستقر.
طرق تنفيذ هذه العملية تشمل:
مراحل النقل الخاصة بالصواريخ:
وهي مراحل عليا مدمجة مع الصاروخ الأساسي مثل:
Blok-DM و Briz-M (روسيا) لصواريخ بروتون وسويوز.
Centaur (أمريكا) لصواريخ أطلس وفولكان.
Fregat (أوروبا/روسيا) لمهمات الأقمار المتوسطة.
Ariane Upper Stage (أوروبا) موديلات ESC-A و ESC-B.
Long March Upper Stage (الصين).
Cryogenic Upper Stage (الهند).
محركات نقل الأوج (Apogee Kick Motor):
بعض الأقمار الصناعية تمتلك محركات مستقلة تُشغَّل عند نقطة الأوج في مدار GTO لتحويل المدار إلى GEO. هذه المحركات تكون عادة صلبة أو سائلة أو حتى محركات أيونية حديثة.
أمثلة على محركات الأوج:
R-4D (شركة Aerojet Rocketdyne الأمريكية).
S400 و S500 (شركة ArianeGroup الألمانية).
Leros-1b (شركة Moog الأمريكية سابقًا AMPAC).
محركات هندية PS4 ومحركات يوز وشمس الإيرانية في مرحلة الدراسة.
تقنية الدفع الكهربائي (Electric Propulsion):
من أحدث التقنيات التي تعتمد على دفع أيوني أو محركات هال (Hall Thruster)، حيث يتم تحويل غاز (غالبًا الزينون) إلى أيونات بواسطة طاقة كهربائية، ويُطلق بسرعة عالية جدًا.
هذه التقنية تسمح بتوفير كبير في الوقود وتقليل وزن القمر الصناعي، لكنها تستغرق وقتًا أطول (أسابيع أو أشهر) لنقل القمر من GTO إلى GEO.
أمثلة على الأقمار التي تستخدم هذا: Inmarsat GX5، Eutelsat 172B، Boeing 702SP، بالإضافة إلى أقمار يابانية وهندية وصينية وروسية.
مراحل النقل المدارية القابلة لإعادة الاستخدام (Space Tugs / OTVs):
شركات مثل Northrop Grumman (MEV) و Spaceflight تطور وحدات نقل فضائية يمكنها نقل أو خدمة الأقمار الصناعية من مدارات منخفضة إلى GEO أو أعلى، بل وإصلاحها أو استعادتها.
إيران ومرحلة النقل المدارية "سامان"
مع تطور الصناعات الفضائية، نجحت إيران في السنوات الأخيرة ببناء واختبار "مرحلة النقل المدارية سامان"، مما يضعها ضمن الدول التي تملك تقنية نقل الأقمار الصناعية من LEO إلى GEO.
اختبارات المحركات والنجاحات الأولية تمهد الطريق لإطلاق أقمار اتصالات أو استشعار إيرانية كاملة التشغيل في مدار GEO.
هذه المرحلة تستخدم محركات وقود سائل متطورة وأنظمة تحكم محلية، وستُمكّن إيران مستقبلًا من تنفيذ مهمات GEO مستقلة باستخدام صواريخها الوطنية.
إن إطلاق ناهيد 2 بواسطة سويوز يذكّر بأهمية الوصول إلى تقنيات GEO في صناعة الاتصالات والقوة التكنولوجية الوطنية. مدار GEO هو السبيل الوحيد لتوفير خدمات اتصالات مستقرة على مدار 24 ساعة، ويظل هدفًا استراتيجيًا مهمًا لإيران من الناحيتين التقنية والاقتصادية.
تطوير مرحلة سامان، والصواريخ الأقوى، والتوافق مع المعايير العالمية، يفتح آفاقًا مشرقة لاستقرار الأقمار الإيرانية في المدار الجيوثابت ورفع مكانة إيران في نادي الفضاء العالمي.
/انتهى/