من "كاوشكر 1" إلى الصاروخ الحامل "قاصد": نظرة على بعض الإطلاقات شبه المدارية الإيرانية

من "کاوشکر 1" إلى الصاروخ الحامل "قاصد": نظرة على بعض الإطلاقات شبه المداریة الإیرانیة

مع الإطلاق شبه المداري للصاروخ الحامل للأقمار الصناعية "قاصد"، عاد التركيز مجددًا إلى إيران وسعيها لاقتحام الفضاء؛ مسارٌ بدأ بإطلاقات "كاوشكر 1" دون المدارية، ووصل اليوم، من خلال اختبارات تقنية منخفضة التكلفة لكن استراتيجية، إلى نقطة تشكل تمهيدًا لحضور دائم في المدار.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن "الاختبار شبه المداري" أو "الإطلاق دون المداري" يُطلق على نوع من الإطلاقات الفضائية، يتم خلاله إرسال جسم (عادةً صاروخ حامل، أو كبسولة تجريبية، أو ما شابه) إلى ارتفاع شاهق في الغلاف الجوي، لكنه لا يصل إلى السرعة والزوايا اللازمة للدخول في مدار حول الأرض. وبعبارة أبسط، لا يُكمل الجسم في هذا النوع من الإطلاق دورةً كاملةً حول الأرض، بل يعود إلى سطحها بعد مسارٍ قوسي. وعمليًا، فإن هذا النوع من الاختبارات يهدف أكثر إلى اختبار ظروف الإطلاق وأداء المعدات، لا إلى وضع جسم في المدار.

الاختبار دون المداري (Suborbital Test) هو من المراحل المهمة في تطوير التكنولوجيا الفضائية، حيث يُطلق خلاله صاروخ أو حمولة إلى ارتفاع عالٍ دون أن يصل إلى مدار كامل حول الأرض، ثم يعود مجددًا إلى سطح الأرض.

الهدف الرئيسي من هذه الاختبارات هو التحقق العملي من أداء أجزاء من نظام فضائي في ظروف واقعية، لكن بتكاليف ومخاطر أقل مقارنة بالإطلاقات المدارية الكاملة. في هذه الاختبارات يمكن اختبار مكونات متعددة مثل: محركات الوقود السائل أو الصلب، أنظمة التوجيه والتحكم، الهيكل والبنية الخارجية للصاروخ، أنظمة فصل المراحل، الآليات الأمنية، وحتى أنظمة الاتصال واسترجاع البيانات، وذلك في بيئة حقيقية. وتعتبر هذه الاختبارات حاسمة جدًا في مراحل تطوير الصواريخ الحاملة أو المركبات الفضائية، لأنها تكشف الأخطاء الفنية في بيئة تشغيل فعلية وتتيح إمكانية تصحيحها.

ما الفرق بين الاختبار دون المداري والإطلاق المداري؟

في الإطلاق المداري، الهدف هو إيصال الجسم إلى سرعة مناسبة تسمح له بالدخول في مدار "ليو" (المدار القريب من الأرض). أما في الاختبارات دون المدارية، فعادة ما تكون السرعة أقل، وبسبب عدم كفاية السرعة المدارية، يعود الجسم إلى الأرض بعد وصوله إلى النقطة العليا (Apogee). وبالواقع، فإن الهدف من هذه الاختبارات هو تقييم القدرات في مراحل الإطلاق الأولى، لا الوصول إلى المدار.

في ظل العقوبات الدولية وصعوبة وصول إيران إلى البيانات والخبرات الميدانية للدول الأخرى، أصبحت الاختبارات دون المدارية ركيزة أساسية للاعتماد الذاتي في مجال التكنولوجيا الفضائية. فهي تتيح للباحثين الإيرانيين تطوير أنظمة الإطلاق تدريجيًا، وبخطوات متتابعة، ومن دون المخاطرة بفقدان أقمار صناعية باهظة الثمن. كما تسهم هذه الإطلاقات في تفعيل قواعد الإطلاق، وأنظمة الاتصالات الأرضية، وحتى تدريب الفرق الفنية، مما يمهد الطريق لإطلاقات أكثر تعقيدًا في المستقبل.

يُعد الاختبار دون المداري حلقةً حيوية بين مرحلة التصميم المخبري ومرحلة الإطلاق المداري، ويحتل مكانة مهمة جدًا في سلسلة تطوير التكنولوجيا الفضائية. والدول التي تسعى لتثبيت مكانتها الفضائية، كإيران، تعتمد بشكل كبير على نجاح هذه المرحلة لخفض المخاطر وزيادة دقة الإطلاقات المستقبلية. ويُعتبر اختبار يوم 21 يوليو باستخدام الصاروخ الحامل "قاصد"، مثالًا واضحًا على هذه الاختبارات، حيث أظهر الجهوزية الفنية ومهّد الطريق أمام خطوات فضائية أكبر.

 

 الأنظمة الفرعية للأقمار الصناعية 

الأنظمة الفرعية في الأقمار الصناعية هي مكونات أساسية، يؤدي كل منها دورًا محددًا لبقاء القمر الصناعي وعمله في المدار. وتشمل هذه الأنظمة: نظام التحكم في الاتجاه والموقع (AOCS)، نظام الاتصالات ونقل البيانات، نظام توليد الطاقة (مثل الألواح الشمسية والبطاريات)، وحدة معالجة الأوامر والبيانات (OBC)، أنظمة التحكم الحراري، وحتى أنظمة الدفع الصغيرة. وقبل إطلاق القمر الصناعي إلى المدار، يجب اختبار هذه المكونات بدقة في ظروف بيئية شبيهة ببيئة الفضاء، للتأكد من عملها السليم خلال المهمة الحقيقية. ونظرًا لصعوبة محاكاة بيئة الفضاء بالكامل داخل المختبرات، تُعد الاختبارات دون المدارية الخيار الأفضل لاختبار هذه الأنظمة في ظروف قريبة من الواقع.

على سبيل المثال، إذا كان الهدف الأساسي من الاختبار دون المداري الأخير الذي أُجري باستخدام "قاصد" هو التحقق من أداء بعض الأنظمة الفرعية للأقمار الصناعية، فهذا يعني أن حمولة تجريبية (لا يشترط أن تكون قمرًا صناعيًا كاملًا) قد أُرسلت إلى طبقات عليا من الغلاف الجوي، لتختبر خلال فترة وجودها في المرحلة العلوية من الرحلة، ظروفًا واقعية مثل: الضغط المنخفض، درجات الحرارة العالية، اهتزازات الإطلاق، والتسارعات الحركية. وتساعد البيانات المستخلصة من هذه التجربة المهندسين على تحليل أداء القطع والتعرف على المشكلات المحتملة.

اختبار الأنظمة الفرعية في المرحلة دون المدارية يوفر مزايا مهمة؛ أولًا: تكلفته أقل بكثير من إطلاق كامل إلى المدار. ثانيًا: في حال حدوث خلل في أحد المكونات، لا يُفقد قمر صناعي، بل مجرد حمولة تجريبية صغيرة. ثالثًا: تسمح هذه الاختبارات بوضع عدة أنظمة فرعية تحت ظروف واقعية في آن واحد، من دون المخاطرة بتنفيذ مهمة مدارية كاملة.

في المحصلة، تُعد هذه الاختبارات بمثابة خطوات وسطى في مسار التطوير؛ فهي لا تزال أكثر تقدمًا من التجارب المخبرية، لكنها أبسط من المهمات المدارية الكاملة. ومن خلال الاعتماد على هذا النوع من الاختبارات، تعمل إيران تدريجيًا على استكمال "دورة ضمان الجودة المحلية لمهام الفضاء".

سجلّ بعض الاختبارات دون المدارية في إيران خلال السنوات الأخيرة

منذ مطلع القرن الجديد، وبالتزامن مع انطلاق تطوير التقنيات الفضائية المحلية، استخدمت إيران مرارًا الإطلاقات دون المدارية كوسيلة منخفضة التكلفة والمخاطر لاختبار أنظمتها المختلفة. وكانت أولى هذه التجارب عبر إطلاق صواريخ "كاوشكر"، التي هدفت إلى اختبار أداء أنظمة التوجيه، الهيكل، الدفع، والتحمل الحراري في بيئة قريبة من الفضاء. واستمرت هذه السلسلة من "كاوشكر 1" حتى "كاوشكر 8"، وبلغت في بعض مراحلها الطور الحيوي-الفضائي، حيث أُرسلت كبسولات حيوية تحمل كائنات حية إلى ارتفاعات دون مدارية.

في السنوات الأخيرة، ومع دخول إيران مرحلة تطوير صواريخ حاملة من الجيل الجديد مثل "قاصد"، و"ذوالجناح"، و"سَرير"، و"قائم"، استعادت الإطلاقات دون المدارية دورها الحيوي لاختبار الأنظمة الحساسة مثل أنظمة الدفع متعدد المراحل، فصل المراحل، وأنظمة التحكم. وقد أسهمت هذه الإطلاقات بشكل محوري في تقليل مخاطر المهام المدارية الأساسية. وآخر نموذج من هذه الإطلاقات كان تجربة "قاصد" الأخيرة يوم الاثنين، والتي تُعد خطوة أخرى نحو الاستعداد للإطلاقات التشغيلية.

1. وحدة النقل المداري "سامان" (أكتوبر 2022)

في 4 أكتوبر 2022، أُجريت تجربة لوحدة النقل المداري "سامان" – المصممة لنقل الأقمار الصناعية بين المدارات – بالتزامن مع اختبار لصاروخ كاوشكر دون مداري. وخلال هذا الإطلاق، تم تقييم الأنظمة الفرعية الخاصة بالمعدات في بيئة قريبة من الفضاء، وأُجري تسجيل شامل لبيانات الأداء.

تم اختبار أداء الأنظمة الفرعية لنموذج "سامان" الهندسي في ظروف شبه فضائية، وتم جمع بيانات شاملة حول أدائه، مما أثبت كفاءته في بيئة عملياتية على ارتفاعات عالية.

في تصميم وتصنيع وحدة "سامان"، المستخدمة لرفع مدار الأقمار الصناعية، استُخدمت تقنيات متقدمة لا تمتلكها إلا قلّة من الدول. ومع هذا الإطلاق، اكتمل أحد المراحل المهمة من تطوير هذه الوحدة، مما يُمهّد لاستخدامها العملي في المهمات الفضائية المستقبلية للبلاد.

2. الصاروخ الحامل "قائم‑100" – (نوفمبر 2022 إلى مارس 2023)

أُجري اختبار دون مداري ناجح لصاروخ "قائم 100"، التابع لقوة الجو-فضاء في الحرس الثوري الإيراني، في نوفمبر 2022. وتمت تجربة الطيران للمحرك في المرحلة الأولى – وهو محرك "رافع" ذو الوقود الصلب – بنجاح. ويُعد "قائم 100" أول صاروخ ثلاثي المراحل يعمل بالوقود الصلب يُصنّع محليًا على يد علماء الحرس الثوري.

ويستطيع هذا الصاروخ، الذي يستخدم ثلاث مراحل من الوقود الصلب، أن يضع أقمارًا صناعية تزن حتى 80 كغ في مدار على ارتفاع 500 كلم عن سطح الأرض. وقد خضع محرك المرحلة الأولى – "رافع" – الذي كان قد اجتاز اختبارًا أرضيًا ناجحًا في 2022، لاختبار طيران دون مداري خلال هذه التجربة.

3. الكبسولة الحيوية "كاووس" – (نوفمبر/ديسمبر 2023)

بعد توقف دام عقدًا كاملًا، أُطلقت "الكبسولة الحيوية الإيرانية" المعروفة باسم "كاووس" من قاعدة الإمام الخميني (رض) في سمنان إلى الفضاء ضمن تجربة دون مدارية. وكان آخر إطلاق لكبسولة حيوية إيرانية قد جرى عام 2013، ثم توقفت هذه التجارب لأسباب مختلفة.

وقد تم بنجاح إطلاق هذه الكبسولة التي تزن 500 كغ، والتي صُنعت بتكليف من وكالة الفضاء الإيرانية وبجهود مركز أبحاث الفضاء التابع لوزارة العلوم والبحوث والتقنية. وشملت التجربة اختبار تقنيات متنوعة ضمن مشروع إرسال البشر إلى الفضاء، مثل أنظمة الإطلاق والاسترجاع، أنظمة التحكم بالسرعة، الواقي الصدمي، تصميم الكبسولة والانسيابية والمظلة، إضافة إلى أنظمة مراقبة وضبط الظروف الحيوية داخلها.

4. الصاروخ الحامل "قاصد" – (يوليو 2025)

صباح يوم الاثنين 21 يوليو، أُجري اختبار دون مداري باستخدام صاروخ "قاصد"، بهدف تقييم بعض التقنيات الجديدة الجاري تطويرها ضمن قطاع الصناعات الفضائية في إيران. ومن المتوقع أن تسهم نتائج هذا الاختبار في تعزيز أداء الأقمار الصناعية والأنظمة الفضائية في البلاد.

إن سلسلة هذه الاختبارات المستمرة تُظهر أن إيران قد وضعت خارطة طريق هندسية متكاملة، تشمل كل شيء من وحدات النقل المداري والصواريخ العاملة بالوقود الصلب، إلى الكبسولات الحيوية والصواريخ الحاملة، بهدف رفع موثوقية الإطلاقات المدارية. ويعكس هذا النهج انتقالًا من المراحل الابتدائية إلى النضج الفني والاعتماد الذاتي في الصناعة الفضائية.

/انتهى/

أهم الأخبار تكنولوجيا الفضاء
عناوين مختارة