"ماخونيك" .. قرية الاقزام في ايران + صور
تقع قرية «ماخونيك» للأقزام في مقاطعة «خرسان» الجنوبية في «إيران» بالقرب من حدود «أفغانستان»، وقد سكن في هذه القرية منذ ما يقارب القرن من الزمن أشخاص قصار القامة.
تزخر إيران بموروث حضاري وثقافي ضخم وفريد، وتعد قرية ماخونيك الشهيرة أحد أبرز معالم هذا الإرث، إذ اكتسبت شهرتها من سكانها قصار القامة، مما جعلها تعرف باسم "قرية الأقزام".
تقع ماخونيك على بعد 130 كيلومترا عن مدينة بيرجند في محافظة "خراسان جنوبي" شرق إيران و35 كيلومترا عن الحدود الأفغانية. ويعود تاريخ ماخونيك إلى آلاف السنين، لكن القرية ما زالت تحافظ على المنحوتات والأشكال المتبقية على جبال المنطقة، إذ يعود وجود السكان الحاليين في القرية إلى 400 سنة تقريبا بعد وصول قبيلة أحمد خان إلى ماخونيك. وكانت قبيلة أحمد خان هاجرت من أفغانستان باتجاه ماخونيك خوفا من وصول الغزاة إليها واقتحام القرية، واختارت هذه المنطقة الجبلية الوعرة.
ورغم صعوبة العيش فيها وعدم توافر الأراضي الزراعية والمياه بنى السكان بيوتهم الصغيرة على ارتفاع لا يتجاوز مترين تقريبا، واستخدموا في بنائها الحجر والطين والخشب. ويتراوح ارتفاع أبواب البيوت بين 50 و70 سنتيمترا فقط، مما لا يسمح للإنسان بدخول المنزل بسهولة دون أن ينحني كثيرا، كما جعلوا لكل مسكن نافذة صغيرة بحجم كف اليد للحفاظ على حرارة المنزل من المناخ البارد في الخارج ومعرفة الليل والنهار. وتتألف المساكن من ثلاث غرف منفصلة هي المطبخ والمخزن وغرفة الجلوس، ويعيش جميع أفراد العائلة مع بعضهم البعض في غرفة واحدة.
في قرية «ماخونيك» 200 بيتاً من الحجارة والطين، من بينها ما يقارب الـ80 بيتاً تمّ تشييدهم بارتفاع منخفض جداً، مما جعل من المستحيل على أي زائر أن يدخلها دون أن ينحني، ويبلغ ارتفاع سقف بعض هذه المنازل 140 سم. بعد اكتشاف هذه القرية، أطلق الباحثون على الظاهرة التي رافقت ساكنيها اسم “التقزم”، وبحسب هؤلاء فإنّ عوامل عديدة أدّت إلى شيوع هذه الظاهرة منها زواج الأقارب، النظام الغذائي السيء، المياه الملوثة التي تحتوي على الزئبق.
ساكنو هذه القرية عاشوا بشبه عزلة عن العالم، فكانت هذه المنطقة جافة وقاحلة، وخالية بالتالي من الحياة الحيوانية كما من المحاصيل، فالقوت الواحد الذي كان متاحاً هو الخضروات كاللفت والشعير والحليب إضافة إلى خليط من اللبن والفستق الذي كان ينمو في الجبال. في منتصف القرن العشرين شهدت هذه القرية تطوراً ملحوظاً، إن في بناء الطرقات أم لوجود السيارات مما سمح بتوافر أنواع مختلفة من المأكولات، وهذا ما منح المواليد الجدد صحة جيدة، وطولاً أفضل من سلفهم، واستمر الأمر على هذا النحو حتى اختفت ظاهرة التقزم، وبدأ السكان بالتالي يغادرون قريتهم الصغيرة إلى منازل بُنيت من القرميد والطوب.
لم تتوافر لسكان القرية سابقا الأطعمة المغذية كاللحم والأرز، فقد كانوا يأكلون اللحم مرتين في السنة فقط إذا قدمه أحد سكان القرية في الأعياد، وكانوا ينظرون إليه كنوع من الأدوية التي تقوي المرضى وتشفيهم". وإضافة إلى سوء النظام الغذائي، ساهم تقليد "ناف بر" القائم على اختيار الأزواج المستقبليين منذ ولادتهم إلى الحياة، وزواج الأقارب في انتشار الأقزام. لكن هذه الظاهرة تراجعت بعد توافر الغذاء المناسب وإقدام أهالي ماخونيك على الزواج من باقي القبائل، حيث لم يتبق من حالة "التقزم" في القرية إلا شخصان فقط.
ولم يكن "قصر القامة" السبب الوحيد في بناء البيوت الصغيرة في ماخونيك، فعدم وجود عمال مختصين في المنطقة وطرقات أو حيوانات لنقل البضائع جعل الأهالي يعتمدون على طرق تقليدية غير مكلفة. كما دفع المناخ البارد للمنطقة السكان إلى بناء بيوت صغيرة تسهل عليهم عملية التدفئة ضمن منطقة خالية من الخشب والأشجار، ليصبح تصغير البيوت حلا للتأقلم مع الطبيعة الخشنة هناك.
وفي حالة المرض، اتخذ السكان من المغارة الموجودة على بعد ثلاثة كيلومترات من القرية محجرا صحيا لرعاية المرضى تفاديا للعدوى وانتشار المرض في القرية أو بين أفراد البيت الواحد. وتوقيا من انتقال العدوى، كان من يشفى من المرض أولا يهتم بالمرضى الجدد، وفي حال توفي المريض يدفن في مقبرة قريبة من المغارة.
تقوم الزراعة في ماخونيك على القمح والشعير واللفت والشمندر والثوم أحيانا، إضافة إلى فاكهة العناب الشبيهة بالتمر، وطعام "الخنجيك" الذي يعد من الفستق المزروع في الجبال.
ويقدر عدد سكان ماخونيك حاليا بنحو 700 شخص يعمل بعضهم في المنجم وآخرون في المدن المجاورة بتربية المواشي، أما النساء فيعملن في حياكة السجاد. ولا يتردد السياح في زيارة هذه القرية وبيوتها الغريبة سنويا، لكن نتيجة لتغير طبيعة الحياة في ماخونيك تعترض فئة كبيرة على ظاهرة الأبنية الجديدة مطالبة بفصلها عن المنطقة التاريخية من أجل الحفاظ على الأزقة والبيوت التراثية.
/انتهى/