من قال إن كفريا والفوعة لم تنتصر..
خاص / تسنيم -القاعدة الصحفية التي تقول إن " الصورة أبلغ من ألف كلمة " لم تفعل فعلها مع مأساة أهالي كفريا والفوعة ، رغم خروج عشرات الصور التي توثق معاناة أهالي البلدتين اللتين حوصرتا لأكثر من ثلاث سنوات دون أن تستطع تحريك ضمير الإنسانية في هذا العالم، فعذراً أهل الصبر وعذراً أهل الصمود...فصمود أهالي كفريا والفوعة وصبرهم ووجعهم كان أكبر من أن يصفه كاتب في مقال أو يختصره مراسل صحفي في تقرير لا تتجاوز مدته الدقيقتين ، ولو أعدت مئات الأفلام ونشرت آلاف الصور لتحكي عن صمودكم ووجعكم بآن معاً لتاهت المفردات وعجزت الصور عن بلوغ هدفها.
كنان خليل اليوسف
في كفريا والفوعة يا سادة كان ألفي مقاتل قادر على حمل السلاح ومن بين هؤلاء من هو مصاب بجراح لم تمنعه عن أداء واجبه المقدس ، في كفريا والفوعة المقاتل قد يكون ربٌ لأسرة واطفال يحتاجون ما يسد رمقها يومياً من طعام و شراب ، في كفريا والفوعة منازل دمرت فوق رؤوس ساكنيها ولم يستسلموا، وفي البلدتين أراضٍ زراعية تحمل محاصيلها على بعد أمتار عن القرية وأهلها المحتاجين لبعض من هذه المحاصيل لم يستطيعوا جنيها لسد الرمق .
في كفريا و الفوعة ثلاث سنوات عاشها الأهالي وأطفالهم محرومين من أبسط ما يمكن أن يزرع البسمة على شفاههم ، والبعض من هؤلاء الأطفال وُلدَ وكَبُرَ في الحصار دون أن تسعفه الظروف على التعرف على أشكال الفواكه واسمائها ، لأن إدراك الطفل وتعرفه على الأشياء يبقى مقتصراً على المحسوس من الأشياء من حوله .
على الجبهات ونقاط الحراسة والاشتباك كان قلة من المدافعين يتوزعون على مساحات شاسعة لرصد التسللات التي كان يقوم بها الارهابيون من القرى والبلدات المجاورة فقد يغطي قلة من المقاتلين مساحة تتجاوز الـ / 1/ كيلو متر مربع وبأسلحة فردية خفيفة ومع ذلك صمدوا لأكثر من ثلاث سنوات واحبطوا عشرات الهجمات الإرهابية التي كان يقودها انغماسيون ، دون أن ينجحوا في أن تطأ أقدامهم أرض الفوعة وكفريا.
عندما يكون في بيت واحد من بيوت كفريا والفوعة أبٌ مصابٌ وأمٌ مفجوعة بشهيدين وولدين يقاتلان على الجبهة تتوقع استشهادهما بأية لحظة ، فماذا يكون الحال حينها..؟ أليس صمودٌ تكاد تخرُّ له الجبال..؟؟ ، وعندما تمر لحظات يصبح فيها عدد الرصاصات التي يمتلكها المقاتل بعدد أصابع اليدين ريثما يصل إمداد الذخيرة والذي كثيراً ما كان يتأخر لوصوله عبر الجو، يكون حينها سلاح الإيمان والعقيدة أنجع من كل الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها عدوُ هؤلاء المتسلحين بإيمانهم وصبرهم .
على المقلب الآخر كانت تتجاوز أعداد المسلحين في البلدات التي تحاصر الفوعة وكفريا الـ/300/ ألف مسلح مدججين بأعتى أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والتي لو امتلكها أهالي الفوعة وكفريا لاستطاعوا فك الحصار بالقوة دون حاجتهم لاتفاق يقضي بخروجهم ومغادرتهم لقراهم التي باتت شبه مدمرة بالكامل بعدما أُمطرت بآلاف القذائف والصواريخ على مدار سنوات الحصار من قبل الإرهابيين كمحاولة منهم لإضعاف عزيمة المدنيين قبل المقاتلين وهو مالم يحصل رغم عدد الإصابات والشهداء في صفوفهم.
بعد كل الذي تقدمنا به يخرج علينا من الطرف الآخر من يقول إن أهالي كفريا والفوعة خرجوا مهزومين عن بلداتهم وأرضهم إلى هؤلاء يقول "حسين زين العابدين" الشاب الذي لم يتجاوز عمره العشرين عاماً " لو كان الأمر كذلك فلماذا لم يتمكنوا من دخول بلداتنا على مدار سنوات شنوا خلالها عشرات الهجمات وعشرات المعارك والحملات العسكرية التي حملت تسميات عديدة وبعد كل معركة كانوا يستميتون لسحب جثث قتلاهم من أطراف البلدة".
رحلة الخروج..!!
رحلة الخروج من الفوعة وكفريا يشبهها "حسين" الذي خرج مع أبيه وأخيه يشبهها بخروج الروح من الجسد فيقول كيف لك أن تغادر أرضاً صمدت فيها لسنوات وقاتلت وحوش الأرض دفاعاً عنها واليوم تغادرها..؟ ويتابع "حسين" لكن ما يعزي النفس أن خروجنا كان خروج المنتصرين فطوال فترة صمودنا لم يستطيعوا ان يتقدموا شبراً واحداً داخل أرضنا وكانوا يدركون أن دخولهم الينا سيكون على جثثنا وبعد أن تعانق أرواحنا السماء .
على الطريق من البلدات المحاصرة إلى بر الأمان مرت الحافلات بمناطق يسيطر عليها الإرهابيون وتوقفت هذه الحافلات عند نقاط تفتيش تعرض فيها الأهالي لكل أنواع الاستفزاز والإهانة أمام نساء وأطفال ورجال كسروا جبروت الآلة العسكرية لهؤلاء وأشعلوا حقدهم بصمودهم وهو ما يصفه "حسين" بالتساؤل" ماذا كنا نتوقع من وحوش حاصرونا لسنوات وكانت مئات الأمتار تفصلهم فقط عن فريستهم كما كانوا يعتقدون أننا فريسة سهلة لكننا أعييناهم بصمودنا ولم يستطيعوا الوصول الينا، فماذا كنا نتوقع منهم ونحن بينهم في لحظة خروجنا ..؟ وكل ما فعلوه من محاولات استهداف الحافلات التي تقلنا لم ولن تشفي غليل حقدهم الأعمى من رجال صمدوا وكسروا شوكتهم على مدار سنوات وما كانت أفعالهم إلا دليلا على ضعفهم وقلة حيلتهم وهم رهن الاتفاق الذي فرض عليهم قبل أن يفرض علينا"
أمٌ اجتمعت بأولادها...!!
"أم حسن" السيدة التي قدمت ابنها شهيداً وآخر بُترت قدماه في معارك الدفاع عن كفريا والفوعة غادرت الحصار كحالةٍ إنسانية خرجت في اتفاقات سابقة قبل عامين تاركةً خلفها اثنين من أولادها وأبيهم قضتها "أم حسن" وكما تقول بالدعاء لأبنائها المدافعين عن أرضهم ومتسلحة بإيمانها بعدالة القضية التي يضحي من أجلها أهالي البلدتين ، إلى أن اجتمعت اليوم أخيراً بمن تبقى من أفراد أسرتها بعد خروجهم .
لحظات تكاد لم تصدقها بعد اللوعة التي عاشتها لسنوات وهي تنتظر لقائها بهم وتكاد لا تفارقها الدموع دون أن تدري هل هي دموع الفرح أم دموع الحزن على ذكريات وأرض دنًّسها الارهابيون بدخولهم إلى البلدتين ، لحظة تصفها "أم حسن" بالقول " إنها كمن كان يحمل جبلاً على صدره وأزيح عنه ولكنها فرحة تبقى تحمل الغصة على ما تركناه في كفريا والفوعة من أرضنا وقبور شهدائنا وما يعزي النفس هو إيماننا بالعودة منتصرين بعد أن يكون الإرهاب قد دحر عن كامل إدلب.
بهذه النماذج انتصرت الفوعة وكفريا على وحوش العصر وبهذا الصمود وبهذه الروح التي امتلكتها العائلات استطاعت كفريا والفوعة أن تنهض منتصرة شامخة بل واستطاعت أن تعطي الآخرين دروساً وعبراً بأن سلاح الإيمان بعدالة القضية لا تهزمه جبروت الطغاة ولا الجيوش الجرارة ، وبحسابات العدد والعتاد وبحسابات التمسك بالأرض حتى الرمق الأخير فكفريا والفوعة انتصرت فعلاً ومن يقول غير ذلك فهو واهم ويبحث عن نصر وهمي افتقده في كثير من المعارك والهجمات التي شنت بغرض الدخول الى البلدتين.
/انتهى/