القمة "التاريخية" بين المُعلن والمخفي
بقلم / بلال ديب: لَن يدخُل ساكنُ البيت الأبيّض إلى قَصرِه كما اعتادَ سابقاً، فقد عُقد قبلَ ساعات اللّقاءُ الّذي وُسم باللقاء التاريخي، بعدَ أَن ترقبهُ العالم مشككاً في حصولِه إلى لحظة انعقاده، فكِلا الزَعيمَين يملُك عاداتٍ تَجعلُ مِن تَصرفاتِهم أمراً لا يُمكِنُ التنبؤ بِهِ.
وبعد طول انتظار وشد وجذب، حصلت القمة والتقى الزعيمين، لقاء لا يختصر المشهد إذا ما تمَّ قياسَهُ بمضمون العلاقات والملفات العالقة بين البلدين، ما يُؤكد الدور الذي لعبتهُ الخارجيةُ الامريكية التي يقودها مارك بومبيو والذي هندس الملفات وجهزها لتكون القمة تتويج لجهود بومبيو عملياً.
وقياسا بقِصَرِ مُدَةِ ولايته في الخارجية يمكننا القول انَّ العمل كان معداً سابقاً بناءً على مهام بومبيو في الاستخبارات، وأنه انجز الجزء الأكبر في أروقة الـ cia وجاءَ إلى الخارجية ليُتمم ما بدأهُ، وقياساً بذاكَ الذي بدا أمامَ عَدساتِ الإعلام خلال لقاء الزعيمين بما خفي عن العلن فالمخفي هو بالتأكيد أعظم.
الا انّهُ لا يجبُ أن تَكون أحكامُنا مُستَقطبةً لجهةِ الانبهارِ باللقاء أو التقليلِ مِن شأنهِ، ولابُد أَن نأخذ بعين الاعتبار ما يريدُه الطرَفان مِنَ الاجتماع وما سيتمُ التوصل اِليه من خلال ذاكَ اللقاء "التاريخي"، فالكوري الشمالي يبحثُ عن مصالحهِ، يَبحثُ عن الرخاء والأمن والسلام وهيَ أمورٌ تختلفُ عما يريدهُ الأمريكي الذي يبحثُ عن السلطةِ والانتصارات والهيمنةِ على العالم، وبلا شك "ترامب" يعمل بعقلية التاجر، بمعنى أنه مستعدٌ للانقلابِ على أيِّ اتفاق كي يبقى الرابح، وهوَ ما اثبته ترامب، الذي لم يترُك أيَّ اتفاقية أو معاهدة لبلادهِ دون نسف، في أقلِ من عامَين لهُ في السُّلطة.
فترامب ألغى اتِّفاق التَّبادُل التِّجاري الحُر مع حُلفائِه الأُوروبيين، وانسحَب من اتفاقيّة باريس للمَناخ، وأعلن حَربًا تِجاريّةً على أوروبا، وفرض ضَرائِب على كُل الصَّادِرات القادِمة منها ومن كندا والمكسيك، مِثلما انسحب من الاتِّفاق النووي مع إيران، ونَقَلَ السِّفارة الأمريكيّة إلى القُدس المُحتلَّة معادياً العرب والمسلمين والعالم بذلك، وهي أمور لا بُد لكوريا الشمالية من أخذها بعين الاعتبار.
ولا بُد مِن النظر الى مؤشراتِ البورصة العالمية التّي كانت الأَكثر حساسيةً للحدث، وما يعكسه ارتفاع الدولار أمام الين. الا أن الطائرة الصينية التي أقلت الزعيم الكوري تشي بعدم الثقةِ الذّي تبديه كوريا الشمالية لنظيرتها الامريكية، وتعزز فكرة الدعم الصيني لكيم، كذلكَ يعكسُ تحديد الزعيم الكوري موعداً لنهايةِ المفاوضات قبل بَدئها مع الرئيس الأميركي، واِسراع ترامب إلى تحديد موعدِ مغادرته في وقتٍ أبكرَ من المتوقع، حالةَ عدمِ الاستقرار لدى الطرفين، وهوَ ما يتناغمُ مع طبيعة كُل من الزعمين اللّذين لا يمكنُ توقع افعالهما.
وبالتالي تبقى نتائجُ القمةِ على أهميتها رهناً بالأيامِ وتطورِ العلاقات بينَ البلدين دونَ اهمال الخارطة الدولية وبالذات التقارب بين كوريا الشمالية وروسيا التي وجهت دعوة له الى موسكو، وجهود روسيا في استقطاب الكوري الشمالي، في الوقتِ الذي تُعتبر روسيا منافساً قوياً للولايات المتحدة الأمريكية على مناطقِ النفوذ، في ظل انعدامِ القطبية الذي يعيشهُ العالم، والخلافات حول العديد من الملفات التي كان اسخنها ملف الشرق.
/انتهى/