مسلحو داعش يقتحمون مدينة الرمادي أمام أنظار القوات المسلحة الأمريكية
ما زلنا نتذكر ذلك الخبر المفاجئ الذي أعلن فيه عن اقتحام مسلحو داعش التكفيريين لمدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار العراقية، وما أثار الاستغراب في هذا الخبر ليس انهيار القوات الأمنية في هذه المدينة الاستراتيجية، بل الغريب في الأمر أنّها متاخمة لقاعدة عسكرية أمريكية مدججة بالسلاح والتجهيزات الجوية من طائرات وقاذفات متطورة وأحدث طائرات استطلاع في العالم!.
خاص بوكالة تسنيم الدولية للأنباء: لقد انهار مشروع داعش في المنطقة دون ان يثمر سوى عن إزهاق أرواح الأبرياء وإهدار ثروات البلدان الإسلامية وتدمير بناها التحتية، ولا سيما في العراق وسوريا؛ وكان قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني وعد سابقاً بتحقق هذا النصر المؤزر في مدة قياسية بفضل دماء شهداء أبطال المقاومة والقوات المسلحة العراقية والسورية، ومن هذا المنطلق تنشر وكالة تسنيم الدولية للأنباء عدداً من التقارير الخاصة بهذا الإنجاز العظيم الذي أبهر العالم بأسره وفي الحين ذاته أغاض أعداء الإسلام والإنسانية من صهاينة وأمريكان و وهابية.
* الدولة المزعومة تولي بلا رجعة
فشل المشروع الصهيوأمريكي ذي الطابع الوهابي بعد أن زالت دولة الخلافة الإسلامية المزعومة في العراق والشام "داعش" فلم يعد اليوم لوهابيي داعش التكفيريين أية قاعدة متمركزة في المدن ولا حتى القرى العراقية والسورية، وهذا الإنجاز العظيم لقوات المقاومة الإسلامية المؤازرة للقوات المسلحة في العراق وسوريا قد وعد بتحققه قبل مدة وجيزة قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، وأكده اليوم بشكل رسمي ضمن رسالته الرائعة التي بعثها لسماحة قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله).
طوال ست سنوات من الصراع المرير بين جبهة الحق المتمثلة بقوات المقاومة والشعبين المظلومين في العراق وسوريا من جهة، وجهبة الباطل المتمثلة بتنظيم داعش التكفيري الوهابي المدعوم من السعودية و"إسرائيل" وأمريكا وبعض البلدان والقوى الرجعية؛ شهدت الساحة الإقليمية أحداثاً محتدمة ومتوالية ولا سيما تلك الأفعال الشنيعة التي ارتكبها أتباع هذا التنظيم الظلامي المدعوم بفتاوى مشايخ الوهابية في الرياض، حيث ذبح وأحرق وفعل ما فعل من قبائح بمباركة صهيونية أمريكية سعودية، وهذه الأفعال ستدون في أسوأ صفحات التأريخ ولن تمحى من ذهن البشرية على مر العصور.
* احتلال الرمادي مثار للشك والاستغراب
تلقى إرهابيو داعش صفعة قوية بعد تحرير مدينة تكريت مركز محافظة صلاح ، فهذه المدينة حسب طبيعتها السكانية والديموغرافية كانت مقراً لقادة حزب البعث المنحل في العراق لكونها مسقط رأس الطاغية المقبور صدام حسين، لذا كانت حاضنة آمنة لوهابيي داعش من السكنة المحليين والوافدين من سائر البلدان العربية والأجنبية، ومن هذا المنطلق تآزر البعثيون مع الدواعش ووقفوا في صف واحد للذبح والقتل في هذه المدينة، وحسب الحسابات العسكرية فإن هكذا ظروف تجعل تحرير المدينة أشبه بالمستحيل، والمثير للتعجب أن القوات الأمريكية بذاتها كانت راغبة في بقاء تكريت على هذه الحالة ولم تحرك ساكناً حينما رصدت طائراتها الأرتال الكبيرة للدواعش وهي تتجه نحوها وكانت تحلق فوق رؤوسهم وكأنّها تحميهم من ضربات القوات العراقية!.
لما انفلتت الأوضاع من القوات الأمريكية في نواحي المدينة وأدرك ساسة البيت الأبيض أن القوات المسلحة العراقية المدعومة بالحشد الشعبي عازمة على تحرير المدينة وطرد هؤلاء الجرذان منها، هددوا قوات المقاومة المتمثلة بالحشد الشعبي بضربات جوية وصفوها بـ "القاصمة" إن تحركوا نحو تحرير تكريت إلى جانب سائر القوات العسكرية العراقية المتمثلة بالجيش والشرطة الاتحادية ووحدات مكافحة الإرهاب!!!.
في تلك الآومة لم تكن القوات العسكرية العراقية تمتلك القابليات الكافية التي تؤهلها لخوض معركة شوارع في تكريت وتحريرها من الدواعش التكفيريين والبعثيين الصداميين لأنها لم تكن منسجمة ومجهزة ومدربة كما يكفي ولا سيما بعد أحداث مجزرة سبايكر وانهيار الموصل وتشتت بعض قيادات الجيش؛ لذلك كان لا بد من دعم مسلحو الحشد الشعبي المقدس، فمدينة تكريت كانت مقراً أساسياً لبقايا زمرة حزب البعث في العراق ويرأسهم المجرم عزت الدوري الذي تحالف مع مشايخ الوهابية في المنطقة وتلاحم مع تنظيم داعش الإرهابي، لكنه سرعان ما هلك وولى إلى جنهم وبئس المصير في عمليات عظيمة، حيث تم التحرير بوقت قياسي فاجأ الأمريكان ومن لف لفهم ولم يجعل مجالاً لعرقلة الجيش والشرطة ووحدات مكافحة الإرهاب العراقية المدعومة بقوات الحشد الباسلة، لكنهم مع ذلك أنزلوا الكثير من التجهيزات العسكرية والمواد الغذائية للدواعش عن طريق الجو والعالم بأسره شاهد هذا الفعل المخزي.
بعد تحرير مدينة تكريت بثت القنوات التلفزيونية شريط فيديو لقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني وهو يتمشى في شارع الأربعين المعروف في قلب تكريت، وهذا الأمر أثبت مرة أخرى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخطوط الأمامية لمحاربة الفكر الوهابي التكفيري المتمثل بدولة الخلافة المزعومة في العراق والشام.
هذا النصر المؤزر كان في غاية الأهمية بالنسبة إلى قوات المقاومة والشعب العراقي بأسره، فقد تم تحرير مدينة بأقل مستوى ممكن من الخسائر وبوقت قياسي، في حين أن بعض الخبراء الغربيين كانوا يتوقعون هزيمة القوات العراقية أو أنها في أحسن الأحوال ستحررها لكن بعد أن تواجه خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، لكن ما حدث خلاف ذلك وكانت الضربة موجعة للوهابيين والبعثثين ولحلفائهم الصهاينة والأمريكان والسعوديين مما أدى إلى إيجاد شريط آمن في الناحية الشمالية للعاصمة بغداد، والفضل الكبير في ذلك يرجع لقوات المقاومة بطبيعة الحال.
ولكن ما يثير الاستغراب أنه بعد تحرير مدينة تكريت بمدة يسيرة تمكن الدواعش من اقتحام مدينة الرمادي مركز محافظة الأنباء واحتلالها خلال فترة وجيزة حيث لم يواجهوا مقاومة تذكر، الأمر الذي أدى إلى تهميش ذلك النصر العظيم الذي تحقق في تكريت نوعاً ما، وقد أفادت المعلومات حول سقوط الرمادي أن ما يقارب 500 من قوات الأمن في المحافظة انضموا للدواعش وأنّ عدداً من المسؤولين المحليين تواطؤوا معهم ومهدوا لهم كي يحتلوا المدينة، والأغرب من كل ذلك أنّ هذه الحركة المنظمة حدثت أمام مرأى ومسمع القوات الأمريكية المستقرة هناك!.
* قاعدة عين الأسد الجوية
قاعدة عين الأسد الجوية تقع في محافظة الأنبار التي تعتبر أكبر محافظة عراقية، ويقطنها أهل السنة والجماعة، لكن عدداً كبيراً منهم لم يكن يرتضي بتغلغل الدواعش في مناطقهم لدرجة أنّ بعض عشائرهم قاومتهم إلا أنّها لم تفلح بسبب خيانة بعض الساسة والقادة العسكريين في المحافظة، لذلك سقطت الرمادي بتأريخ 15 أيار / مايو عام 2015م وبدأ التهديد يطال العاصمة بغداد من ناحيتها الغربية ليدخل العراق في مرحلة جديدة من مخاطر الإرهاب الوهابي الظلامي.
السؤال المطروح هنا والمثير للاستغراب هو: كيف سقطت مدينة الرمادي الكبيرة والاستراتيجية المحاذية للعاصمة بغداد دون علم القوات الأمنية والعسكرية المحلية والأجنبية التي كانت متواجدة على مقربة منها؟!.
في تلك الآونة كانت قوات المقاومة مشغولة بمسك الأرض في تكريت وتمشيط صحاريها والقرى المحاذية لها من فلول الدواعش، وكانت تواجه بين الفينة والأخرى هجمات مشتتة من قبل هؤلاء التكفيريين ومن قبل أزلام حزب البعث المنحل والذي يقوده مقربو الدكتاتور صدام حسين المقبور، لذا كانت تجهيزاتهم العسكرية واللوجستية متمركزة هناك ولم تكن متشعبة ولا تمتلك العدة والعديد الكافيين للقتال في أكثر من جبهة في آن واحد.
لم يكن أحد يتوقع سقوط الرمادي بهذه السهولة والسرعة، فبغض النظر عن مناصرة بعض أهاليها للفكر الوهابي وتعاطفهم مع فلول البعثيين الصداميين، هناك قوات عسكرية أمريكية كبيرة مستقرة على مقربة منها في قاعدة عين الأسد الكبيرة Ayn al-Asad Airbase وإلى جانب القوات الأمريكية هناك قوات أخرى متعددة الجنسيات فيها، وهي مزودة بأحدث الأجهزة العسكرية والإلكترونية من طائرات مقاتلة ومروحية وقاذفات صواريخ وطائرات مسيرة مدعومة بالأقمار الصناعية التي ترصد كل صغيرة وكبيرة في تلك المنطقة حفاظاً على أرواح القوات المتواجدة فيها، فيا ترى ما السبب في عدم صدور أية ردة فعل من هذه القوات إزاء تلك الأرتال الداعشية العظيمة التي اجتاحت الصحراء وسارت مئات الكيلومترات في أراضي قاحلة ومكشوفة وتوجهت نحو الرمادي؟! فهل يعقل أنّ الأمريكان لم يشاهدوا ذلك؟!.
* 80 كم فقط تفصل عين الأسد عن الرمادي
القوات العسكرية الأمريكية متمركزة بشكل أساسي في العراق بقاعدة عين الأسد الكبيرة، وهي مكونة من مختلف التشكيلات فهناك قوات جوية وبحرية - مارينز - وقوات دعم لوجستي إلى جانب العديد من التشكيلات الأخرى، أضف إلى ذلك يتواجد فيها مستشارون من بلدان متحالفة مع الولايات المتحدة مثل أستراليا.
لا تبعد هذه القاعدة الهامة عن مركز مدينة الرمادي سوى 80 كم وبطبيعة الحال من مصلحة الأمريكيين بأن تدار المدينة حسبما يلبي مصالحهم الاستراتيجية، لذا لا بد لهم في هذه الحالة من مراقبة أوضاعها عن كثب والإشراف على مداخلها والمناطق الصحراوية المحاذية لها، لذا لا يشك أحد مطلقاً بأنهم كانوا على علم بالأرتال الداعشية الكبيرة التي جابت الصحراء واجتازت مدينة الرطبة بحيث سارت أكثر من 300 كم في أراضي مكشوفة، إذ إنّ مشاهدة هذه الأرتال لا يتطلب أيّة تجهيزات متطورة وإنما يمكن الاطلاع على حركتها بكل سهولة عن طريق العين المجردة وبجهود استخبارية ابتدائية.
المثير للاستغراب أنّ البيت الأبيض لم يصدر أية أوامر للقوات الأمريكية بضرب هذه الأرتال، حينما اشتبكت القوات الشعبية المتمثلة بأعضاء من الحشد الشعبي والقوات العشائرية السنية الوفية لوطنها إلى جانب ما تبقى من القوات المسلحة العراقية التي كانت متناثرة آنذاك في عدة جبهات، لم توجه الطائرات الأمريكية أية ضربة جوية للدواعش وتم تجاهل الموضوع بالكامل وسط نداءات الشارع العراقي بضرورة تقديم غطاء جوي للقوات التي تقاتل داعش.
هذا الموقف المخزي للأمريكان كانت له أصداء واسعة في وسائل الإعلام العراقية والدولية وتسائل الخبراء والمعنيون بالشأن كيف أنّ هذه الأعداد الكبيرة والأرتال المدججة بالسلاح تحركت براحتها في مناطق شاسعة ومكشوفة وعلى مقربة من قاعدة عين الأسد التي تشرف عليها القوات الأمريكية بحيث احتلت مدينة استراتيجية كبيرة واشتبكت مع القوات المسلحة المدافعة عن العراق دون أن يبادر ساسة واشنطن وقادة العسكر الأمريكان إلى اتخاذ أي إجراء يذكر؟!.
القاصي والداني تأكد من علم الأمريكان بهذه التحركات التكفيرية الوهابية، ويؤيد هذه الحقيقة أنّ نشرت وكالة بلومبيرغ تقريراً وثائقياً أكدت فيه على أنّ ساسة البيت الأبيض وقادة القوات العسكرية الأمريكية المتواجدة في العراق كانت على علم ودراية بقرار الدواعش في اقتحام الرمادي وحتى إنّهم كانوا على علم بزمان تنفيذه هذه الهجمة لدرجة أنّهم رصدوا الأرتال الضخمة من لحظة حركتها وحتى دخولها المدينة، ونقلت الوكالة تصريحاً لمسؤول أمريكي أمني رفيع المستوى جاء في جانب منه: "كانت لدينا الكثير من المعلومات المؤكدة التي تثبت نية الدواعش في احتلال مدينة الرمادي ... قبل سقوط المدينة رصدت قواتنا تجمع مقاتلي معارضي الحكومة العراقية من الدواعش ومؤازريهم والعجلات الثقيلة المزودة بالأسلحة القتالية الفتاكة، حيث كان تجمعهم على مشارف مدينة الرمادي، لكن حكومتنا لم تصدر أي أمر بضرب هذه القوات المسلحة".
هذه الحقائق المريبة تثبت بضرس قاطع أنّ الأمريكان كانوا على علم باستعداد الدواعش لإسقاط مدينة الرمادي منذ اللحظات الأولى لاتخاذهم القرار في هذا الصدد وقبل تحركهم نحوها، لكنهم لم يتخذوا أي إجراء للحيلولة دون ذلك، فقد كانت غارة جوية واحدة تكفي لكسر هذا التجمع في الصحراء وإحباط عملية الاقتحام الإرهابية، لكنّ ذلك لم يحدث وبقيت القوات الشعبية العراقية المدعومة بالقوات المسلحة وحيدة في الساحة وهي لا تمتلك التجهيزات والمعدات المتطورة والطاقات البشرية الكافية التي تؤهلها للقضاء على هذا المشروع الداعشي المدعوم أمريكياً، وهذا الأمر أكده اللواء قاسم سليماني فيما بعد، فقد صرح تعقيباً على ذلك قائلاً: "أوجه سؤالاً للرئيس الأمريكي السيد أوباما: قاعدة الأسد التي تستقر فيها الطائرات الأمريكية، كم تبعد عن مدينة الرمادي؟! لماذا لم تتخذ أيّ إجراء؟! إنّ موقفهكم هذا ينم عن ضلوعكم في هذه المؤامرة".
والمثير للاستغراب أنّ الأمريكان لم يكتفوا بعدم استهداف أرتال الدواعش وتجمعاتهم في صحراء الأنبار حين توجههم لإسقاط مدينة الرمادي، بل إنّهم لم يطلعوا الحكومة العراقية بهذه التحركات الإرهابية، لذلك لا يختلف اثنان في أنّهم ضالعون بهذه الحركة المشبوهة وشركاء في دماء الأبرياء التي أريقت جراء اقتحام هذه المدينة؛ ولكن مساعيهم هذه في نهاية المطاف باءت بالفشل بعد انتظام قوات الحشد الشعبي المقدس إلى جانب القوات العشائرية السنية والجيش والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الإرهاب، وبالتالي تم كسر شوكة الدواعش وحواضنهم وتم تحرير كل شبر من أرض الأنبار من لوثهم دون أي دعم أمريكي يذكر.
/ انتهى/