قواعد الاشتباك مع العدو تتغير
واضح أن قواعد الاشتباك بين إسرائيل وسوريا، لم تعد تتناسب مع التطورات الميدانية والسياسية في الساحة السورية. هذه أول الاستنتاجات وأهمها، بعد قرار القيادة السورية التصدي لطائرات العدو.
استغلت إسرائيل الحرب السورية وانشغال الدولة السورية في محاربة المسلحين، كفرصة لفرض «خطوط حمر» حافظت عليها عبر إطلاق يدها، بشن اعتداءات في الساحة السورية.
ما يقرب من 20 اعتداءً، شنتها إسرائيل في السنوات الست الماضية، ضد ما قالت إنه «إرساليات سلاح نوعي» إلى حزب الله في لبنان، إضافة أيضاً إلى توجيه ضربات جوية وأرضية، تكتيكية، ساعدت من خلالها المسلحين في حربهم ضد الجيش السوري في المناطق القريبة من الحدود، بذريعة «انزلاق القصف» من الجانب السوري، إلى الأراضي المحتلة في الجولان.
لم يكن أمام الدولة السورية خيارات واسعة. الانشغال في الحرب، وتوثب إسرائيل لاستغلال أي رد سوري على اعتداءاتها لتغيير ميزان القوى الميداني لمصلحة المسلحين، دفع القيادة السورية إلى التروي، بما أوحى لإسرائيل أن لا تبعات ولا مخاطرة، في شن اعتداءات في الساحة السورية، مع عدم إخفائها (إسرائيل)، كما ورد على لسان مسؤوليها، أنها لن تتوانى عن استهداف الجيش السوري وقلب المعادلة الميدانية، إن هو «فكر» في التصدي لاعتداءاتها.
الواضح أن الظرف الميداني والسياسي تغير. انتصارات الدولة السورية وحلفائها على المسلحين وضعف موقفهم وإمكاناتهم، إضافة إلى تحصين موقف سوريا كمنظومة سياسية وعسكرية نتيجة تدخل حلفائها إلى جانبها، وتحديداً الجانب الروسي، أنهى في حد أدنى، خيارات إسرائيلية متطرفة كان بإمكانها التهديد بها، أو اللجوء إليها.
قرار التصدي السوري لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي، بعد اعتداءاتها، نتيجة طبيعية لهذه التطورات، وإن صحت رواية إسرائيل أن أياً من طائراتها لم يسقط، فهذا لا يلغي مفاعيل القرار السوري وتنفيذه، الهادف إلى إسقاط الطائرات. ما كان يدفع القيادة السورية إلى «التروي»، في زمن التهديدات الوجودية، لم يعد بمعظمه قائماً، ما يمكنها من تغيير الموقف، والتصدي.
مع ذلك، من المفيد الإشارة إلى الآتي:
قرار التصدي لم يأت ارتجالاً. جاء نتيجة دراسة واستعداد مسبقين، وإدراك القيادة السورية للتبعات المترتبة على هذا القرار، بما يشمل إسقاط طائرات العدو، الأمر الذي يشير، بدوره، إلى أن التصدي سيتكرر، وربما مع جاهزية أكبر للآتي في حال قررت إسرائيل استئناف اعتداءاتها. واضح أن القيادة السورية مدركة حدود قدرة إسرائيل، وواضح أيضاً مما يرد من تل أبيب، للمفارقة، أنها هي أيضاً مدركة حدود قدراتها.
فقدت إسرائيل عامل ردعها، بمعنى القدرة الفعلية على إلحاق الأذى بالمنظومة السياسية والعسكرية لسوريا، وتغيير الوضع الميداني لمصلحة المسلحين، إذ تلقت رداً من القيادة السورية على اعتداءاتها. الهامش المعطى لها روسياً، كما تقول هي، مبني في الواقع على انسحاب معادلة كانت قائمة ما قبل التدخل الروسي، مع «تروٍّ» سوري مقابل نتيجة الظرف الصعب الذي كانت تمر به. انتقال السوري من موقف المتلقي للضربات دون ردود، إلى موقف المبادر للرد، ومع اطمئنانه إلى أن إسرائيل لن تذهب بعيداً في تهديداتها، يفقد عامل الردع الإسرائيلي أهم مكوناته.
فقدان تل أبيب أهم مكون في منظومة ردعها تجاه الدولة السورية، سيكون حاضراً أمام طاولة القرار لديها، مع توقع التصدي، وربما بفاعلية أكبر، للآتي من اعتداءاتها. المعضلة الإسرائيلية أنها تدرك، مسبقاً، أقله نتيجة المصالح الروسية في عدم الإضرار بالدولة السورية، أنها غير قادرة على تفعيل تهديداتها للجم سوريا ولجم ردودها، المحفوفة بطبيعتها، بخطورة كبيرة. وإذا كانت إسرائيل نظرياً، تدرس توسعة خياراتها العملية في سوريا، كما يُفهم من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول رفض مطلق لوجود حلفاء سوريا في الأراضي السورية، مع الحل السياسي أو من دونه، إلا أنها باتت الآن أمام مسألة المحافظة على خياراتها الحالية، بما تسميها الخطوط الحمر، ومنع نقل السلاح النوعي إلى حزب الله.
من هنا يأتي توصيف صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، بأن «الرد السوري عبارة عن نذير شؤم، ويشير إلى إمكانية ارتفاع التوتر وقابلية الانفجار، وإلى صدامات قد تتطور إلى حرب»، لكن هل فعلاً إمكانية الحرب واردة؟
السؤال منطقي، نتيجة التقدير بأن إسرائيل، رغم المخاطرة، ستواصل في حد أدنى اعتداءاتها، وإن كانت في المرحلة الأولى ستحاول قدر الإمكان التقليل من المخاطرة والتملص من الدفاعات السورية. والسؤال كذلك منطقي، في ظل إصرار، كما يبدو، القيادة السورية على التصدي. والسؤال منطقي أكثر، إن كانت نتيجة التصدي المقبل ناجحة بالكامل، وتلقت إسرائيل خسائر جسيمة لا تقوى على احتوائها.
الواضح أن سوريا، في ظل الحرب القائمة عليها، غير معنية بحرب في مواجهة إسرائيل. في مقابل ذلك، إسرائيل أيضاً لا تريد، ربطاً بتداعياتها، حرباً شاملة مع سوريا، كما أنها في الأساس لا تستطيع، ربطاً بالوجود والمصالح الروسية المتداخلة مع مصالح الدولة السورية وضرورة عدم الإضرار بها. لكن هل الرد، وإمكان الرد على الرد، ومن ثم التدحرج نحو مواجهة قد لا يريدها طرفاها ابتداءً، هي إمكانية قائمة؟ قد يكون الجواب موجوداً لدى الطرف الروسي، الذي بات يدرك أن الهامش المعطى لإسرائيل في توجيه اعتداءات، من دون معارضة، يحمل مخاطرة كبيرة جداً، من شأنها التأثير سلباً على مصالحه.
/انتهي/