مقبرة الشاعر الكبير فردوسي في منطقة طوس+ صور وفيديو
محافظة خراسان رضوي في مختلف نواحيها مليئة بالآثار والمعالم القديمة التي تذرب بجذورها في شتى العصور، ومن أبرزها مقبرة الشعر الكبير فردوسي الذي أحيا اللغة الفارسية بعد أن أوشكت على الضياع، وهذا الشاعر الفارسي الأصيل ينحدر من أسرة كانت تزاول الزراعة مهنة لها.
خاص بوكالة تسنيم الدولية للأنباء - هذا التقرير هو من سلسلة التقارير الخاصة بوكالة تسنيم الدولية للأنباء حول أجمل المعالم الأثرية والأماكن السياحية والدينية في إيران والتي تستقطب سنوياً الملايين من السائحين والزائرين المحليين والأجانب، وهناك الكثير من المناطق التي ما زالت بكراً ولم تشيد فيها مواقع خاصة لتقديم خدمات سياحية لكن يمكن للمتكتشفين ومحبي الطبيعة شد الرحال إليها لاستطلاع معالمها عن كثب والتلذذ بمناظرها الطبيعية والجغرافية الفريدة من نوعها، وإيران هي واحدة من البلدان الأكثر أماناً في العالم وجميع السائحين والزائرين يمضون أوقات ممتعة في أجواء آمنة حين يقصدونها كما أن نفقاتهم المالية أقل بكثير مما ينفقونه فيما لو قصدوا أي بلد سياحي آخر، لذلك فإن أعدادهم تتزايد عاماً بعد عام.
* مقبرة الشاعر فردوسي معلم أثري سياحي في طوس
كل من يسمع باسم محافظة خراسان رضوي، يتبادر إلى ذهنه مرقد الإمام الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهد المقدسة، ولكن إلى جانب ذلك هناك الكثير من المعالم الطبيعية والتراثية في هذه المحافظة المترامية الأطراف، ولا سيما مقبرة الشاعر الفارسي الكبير فردوسي الواقعة في منطقة طوس، حيث تتوسط مزرعة كبيرة رافلة بالأشجار الخضراء الباسقة، وإلى جانب مرقد هذا الشاعر الشهير هناك آثار أخرى ومراكز ثقافية في هذه الحديقة ومنها أطلال لقلعة طوس القديمة ومتحف ومكتبة ومتجر لبيع العديد من النتاجات الثقافية ومطعم ومصلى وغير ذلك، لذا فمن يزور هذه المقبرة يمكنه التجول في حديقتها الواسعة والتقاط صور تذكارية جميلة سواء بأجهزة التصوير التي معه أو عن طريق مكتب التصوير الموجود هناك.
في النظرة تبدو هذه المقبرة وكأنها مجرد بناء مجلل وفخم محفوف بنقوش جميلة، لكنها في الحقيقة تجسد شهادة تأريخية للمواطنين الأوفياء الذين أمضوا سنوات مديدة في تشييدها على هيئة تحفة فنية فريدة من نوعها تضم بين طياتها جثمان إحدى أعظم الشخصيات التي أحيت الأدب الفارسي وأنعشت اللغة الفارسية.
* غياب فردوسي في صفحات التأريخ القديم
حينما توفي الشاعر فردوسي مانع أحد الأشخاص من دفنه في المقبرة العامة التي يدفن أهالي طوس موتاهم فيها، لذلك دفن في حديقة كان يمتلكها ومن ثم تحولت هذه الحديقة إلى مقبرة مستقلة عن سائر مقابر المدينة، وما يدعو للأسف أن الكثير من الرحالة والمؤرخين وعلماء الجغرافيا حينما يتحدثون عن تأريخ طوس فإنهم يتطرقون بشكل مقتضب إلى بعض مقابرها القديمة ومن دفن فيها لكنهم لا يشيرون إلى مقبرة الشاعر فردوسي رغم أنه واحد من أعظم الشخصيات التي شهدها الأدب الفارسي وحب إيران كان يجري في عروقه.
أول مؤرخ تحدث عن مقبرة فردوسي هو حمد الله مستوفي الذي عاش في القرن الثامن الهجري، حيث دون عنها بعض المعلومات بعد مضي ثلاثة قرون ونيف على وفاة فردوسي، وبعد ذلك بادر بعض الباحثين إلى الحديث عن هذه المقبرة وذكروا أسماء بعض الأمراء والوزراء دون أن يتطرقوا إلى تأريخ تشييدها.
* مساعي دامت أكثر من 47 عاماً لبناء أعظم مقبرة في إيران
في العهد القاجاري بادر بعض الباحثين الإيرانيين الموالين لوطنهم حقاً بالبحث عن محل دفن رائد لغتهم الفارسية الأصيلة فردوسي، وبعد بحث مضن اكتشفوه وشيدوا عليه بناية فخمة تليق بشأنه من الطابوق، ولكن مع ذلك أصبح مصير هذا البناء في طي النسيان، ولكن في عام 1922 م وبعد 16 عاماً من الثورة الدستورية بالتحديد تنامت النزعة الوطنية لدى الإيرانيين وسارعوا مرة أخرى إلى إحياء تراثهم الثقافي الأصيل، لذلك قام بعض الوطنيين بتأسيس جمعية الآثار الوطنية ومن جملة نشاطاتهم بناء مقبرة مجللة وفخمة تليق بشأن الشاعر الكبير فردوسي، فجمعوا تبرعات وطنية لهذا الغرض، وبالفعل فقد تمكنوا من جمع مبالغ كبيرة آنذاك لكنها لم تكن كافية لتشييد البناء المخطط له، وبعد سنتين قدمت الجمعية طلباً للبرلمان بدعمها مالياً والنواب بدورهم وافقوا على ذلك ومن ثم تم تكليف الحكومة بدفع جانب كبير من نفقات البناء لتبدأ بعد ذلك عملية التشييد بشكل عملي، ودام الأمر سنتين ومرة أخرى واجهت الجميعة عجزاً في الميزانية وهذه المرة أيضاً لجأ أعضاؤها إلى البرلمان وتمكنوا من الحصول على مساعدات حكومية عن طريق بيع بطاقات اليانصيب إلى جانب جمع تبرعات شعبية أخرى.
* كيف تم العثور على مرقد الشاعر فردوسي؟
النقود لم تكن المشكلة الوحيدة التي تعترض طريق بناء مقبرة الشاعر الكبير فردوسي، إذ حتى تلك الآونة لم يتم اكتشاف القبر الحقيقي له لذلك تم تشكيل هيئة خاصة في عام 1926 م لاستكشاف محل الدفن وبعد بحث وتحقيق ومطالعات واسعة اكتشفوا أنه مدفون في حديقة كان يمتلكها آنذاك الميرزا محمد قائم التولية والتي اسمها حديقة فردوسي، حيث وجدوا قبره في وسطها بعد أن اكتشفوا حجراً يبلغ طوله ستة أمتار وعرضه خمسة أمتار، فحينما رفعوه وجدوا قبر فردوسي تحته وكان قد وضع في العهد القاجاري حينما تم تشييد القبر لأول مرة آنذاك كما ذكرنا آنفاً، لذلك بادر صاحب الحديقة بإهدائها لجميعة الآثار الوطنية ومساحتها تبلغ 23 ألف متر مربع، ومنذ تلك الآونة بدأت الفعاليات الخاصة ببناء المقبرة لتجري على قدم وساق.
المهندس المعماري كريم طاهر زاده هو الذي صمم شكل الهيكل العام للمقبرة والتي تم افتتاحها في عام 1934 م، ولكن التصميم الذي نراه اليوم يختلف عنه بالكامل.
* التصميم الهندسي النهائي لمقبرة فردوسي
رغم تحمل الجمعية الوطنية للآثار عناء تشييد مقبرة فردوسي، لكن العمل لم ينجز وفق أصول وضوابط علمية دقيقة على صعيد نوعية مواد البناء المستخدمة، حيث شيدوا بناء بارتفاع 18 م لكنه بدأ يتهرأ بالتدريج من دعائمه الأساسية وأوشك على الانهيار إلى أن اتخذ قرار بهدمه بعد ثلاثين عاماً، وبالفعل فقد هدم عام 1963 م وأعيد تشييده من جديد باستحكام أكثر وعلى نطاق أوسع، حيث استمر العمل أكثر من أربع سنوات لتشرع أبواب المقبرة للزائرين في عام 1968 م وفي هذه المرحلة تم تشييد مباني أخرى إلى جانب المقبرة وبما فيها مكتبة ومطعم وفندق وشارع كبير، ويعلو المقبرة تمثال عظيم للشاعر الفارسي الكبير فردوسي منحوت من حجر الرخام الأبيض النفيس بيد الفنان التشكيلي الإيراني الشهير أبو الحسن صديقي.