خسائر الحرب السورية قاربت 1170 مليار دولار
تشير واحدة من آخر الدراسات التي نشرت إلى أنّ خسائر سوريا على مدار سنوات الحرب وصلت إلى 1170 مليار دولار، بما يشمل قيمة الخسائر في جميع القطاعات وكلفة إعادة الإعمار جهداً ومالاً.
مع تجدد الحديث عن إعادة الإعمار عند كل مفصل من مفاصل الحرب، تعود الأرقام المخيفة لحجم الخسائر التي لحقت بسوريا خلال السنوات الماضية، لتكشف حجم العمل والإمكانات المادية التي سيتطلبها تحفيز عملية تأهيل القطاعات المدمّرة حين توقف رحى الحرب.
قد تبدو مهمة حصر الخسائر الدقيقة لسوريا واقتصادها خلال سنوات الحرب، مستحيلة في ظرف استمرار النزف على كامل القطاعات. لكن الأرقام التي تطرحها دراسات معنية بتقدير حجم الخسائر كفيلة بالوقوف على هول ما أصاب الاقتصاد والبنية الخدمية في سوريا.
وتشير واحدة من آخر الدراسات التي نشرت إلى أنّ خسائر سوريا على مدار سنوات الحرب وصلت إلى 1170 مليار دولار، بما يشمل قيمة الخسائر في جميع القطاعات وكلفة إعادة الإعمار جهداً ومالاً.
الدراسة التي أعدها الباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف، تُبيّن أن القطاع السكني والعمراني كان الأكثر تضرراً، باعتبار أن عدداً كبيراً من المدن كانت ساحة لمعارك عنيفة، ألحقت أضراراً كبيرة في بنيتها التحتية. وتقدّر الدراسة «عدد الوحدات السكنية المتضررة بمليونين و400 ألف مسكن حتى اليوم، وهو ما يرفع الخسائر إلى قرابة 200 مليار دولار»، كما أن «إعادة الحالة العقارية إلى ما كانت عليه تحتاج إلى 300 مليار دولار، كحد أدنى، علماً بأن هذا الرقم لا يشمل المدمّر من المصانع ومحطات الكهرباء والبنى التحتية المتعلقة بالخدمات العامة».
ويحتلّ المرتبة الثانية من حيث حجم الضرر، القطاع الصناعي، وهنا توضح الدراسة أن «67% من قدرة سوريا الصناعية دمرت بشكل كامل، وهي خسائر بثلاثة اتجاهات: أولها؛ ما تم تدميره وسرقته من المعامل ومستلزمات الإنتاج ويقدر بـ 60 ملياراً، وثانيها؛ فوات المنفعة فيما لو كان العمل قائماً ويقدر بـ 40 مليار دولار، وثالثها؛ ما تحتاج إليه البلاد لإعادة عجلة الصناعة إلى سابق عهدها ويقدّر بـ 110 مليارات دولار»، وهو ما يرفع فاتورة هذا القطاع إلى 210 مليارات دولار.
بدوره، عانى القطاع الزراعي تحت ضغط الحرب، ليحلّ ثالثاً على سلّم الخسائر، إذ تحولت سوريا من بلد مصدر للمحاصيل الزراعية ومتمتّع باكتفاء ذاتي منها، إلى مستورد لعديد من السلع الزراعية الأساسية. وتقول الدراسة إن «خسائر وسائل الإنتاج تقدّر بحوالى 25 مليار دولار، بينما بلغت خسائر فوات المنفعة ــ فيما لو كان الوضع طبيعياً ــ 20 مليار دولار، وتحتاج إعادة تأهيل القطاع الزراعي إلى ما يزيد على 19 مليار دولار، تشمل البنى التحتية وإعادة استصلاح الأراضي الخارجة عن الخدمة»، لتصبح الجردة النهائية 64 مليار دولار، قبل أن يضاف إليها خسائر غير مسبوقة في الثروة الحيوانية وصلت إلى قرابة 4 مليارات دولار.
وبرغم الإهمال الذي عاناه قطاع السياحة في سوريا، أشار يوسف في دراسته إلى أن «التدمير طاوله بشكل غير مسبوق، بعد تدمير عدد كبير من الفنادق والمعالم السياحية والأوابد الأثرية المهمة، لتبلغ قيمة خسائره قرابة 14 مليار دولار»، كذلك «قُدرت خسائر القطاع الخدمي بـ 9 مليارات دولار، وهنا تندمج خسائر فوات المنفعة لعدم إمكانية فصل الأمرين بعضهما عن بعض، فيما تحتاج إعادة تأهيل هذه الخدمات إلى قرابة 15 مليار دولار، تشمل ضمناً إعادة البنى التحتية الطرقية والجسور والكهرباء والماء والهاتف». وتعتبر خسائر القطاع الكهربائي الأكثر تأثيراً لارتباطها بقطاعات عديدة، وتؤكد الدراسة أن «إعادة تأهيله تشكل التحدي الأخطر، وخاصة عند معرفة أن التكاليف التي دفعها السوريون لقاء تأمين الكهرباء البديلة (بطاريات، ليدات ومولدات) وصلت إلى حوالى 4 مليارات دولار». وهو ما يرفع مجمل خسائر القطاع الخدمي إلى 28 مليار دولار.
القطاع المصرفي: خسائر «فلكية»
قد يكون القطاع المصرفي هو الأكثر حساسية خلال سنوات الحرب. وترى الدراسة أن ذلك يعود إلى أسباب عديدة؛ أهمها «خروج الكثير من المصارف ــ ولا سيما في مناطق التوتر ــ عن الخدمة، وكمية السرقات الهائلة وتوقف المصارف عن الإقراض»، كما أن «كمية هائلة من الكتلة النقدية المقترضة سابقاً، أصبحت بحكم الديون المهتلكة نتيجة عدم إمكانية السداد، وانخفاض القيمة الشرائية لليرة، الأمر الذي جعل التحصيل غير ذي جدوى»، إلى جانب «منع التعامل والعقوبات المفروضة على المصارف السورية». وتسببت الظروف السابقة بخسائر هائلة تجاوزت حسب الإحصاءات 9 مليارات دولار.
وتلفت الدراسة إلى أن «نوعاً من الاندماج حصل بين فقدان الليرة قدرتها الشرائية مع خسائر البنك المركزي نتيجة الحرب»، لتقدر خسائر القطاع النقدي ــ وخاصة في إطار سعيه للحفاظ على مستوى معين لليرة عن طريق التدخل في سوق القطع ــ إلى ما يزيد على 40 مليار دولار، قيمة ما كان لدى المصرف المركزي من احتياطي وما تم استجراره عبر مجموعة من المعاملات المصرفية مع الدول الداعمة لسوريا، إلى جانب الخطوط الائتمانية. وتقدر الدراسة كلفة إعادة سعر صرف الليرة إلى سابق عهده (50 ليرة للدولار الواحد) بما يزيد على 70 مليار دولار، وهو ما سيكون غير مُجدٍ اقتصادياً.
وهنا لا يمكن تجاهل ما تم إخراجه من عملة صعبة في سنوات الحرب الأولى عن طريق مجموعة من التجار للاستثمار في الدول المجاورة، إذ وصلت حسب إحصاءات الأمم المتحدة وجهات أخرى إلى قرابة 22 مليار دولار. أما خسائر القطاع الإداري، فأوضحت الدراسة أنها بلغت 4 مليارات وتحتاج إلى ما يزيد على 6 مليارات لإعادة البنية الإدارية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وذلك وفق خطط لإعادة هيكلته وتأمين سير مرافق الدولة الإدارية.
تداعيات اجتماعية وتربوية
تبين الدراسة أن خسائر الدولة في قطاع الشؤون الاجتماعية تمثلت في ما تكبدته من تكاليف إنشاء مراكز الإيواء للمهجرين من المناطق المتوترة، والحجم الهائل للمستفيدين من المعونات وتكاليف غير مسبوقة لتأهيل الأشخاص من مناطقهم، إلى جانب المبالغ الهائلة المصروفة على مصابي الحرب، لتقدر تلك الخسائر بأكثر من 7 مليارات دولار.
ولم يسلم قطاع التعليم من الاستهداف الممنهج من قبل المسلحين، الذين عمدوا إلى استهداف الكادر التعليمي أيضاً، سواء عبر التهديد أو القتل أو دفعهم إلى الهجرة القسرية، إذ تقدر الدراسة «المدارس والمنشآت التعليمية المستهدفة، بحدود 30% من مجمل القطاع التعليمي». كما أن استخدام المجموعات المسلحة لتلك المنشآت مقارّ عسكرية، زاد حجم الدمار الذي لحق بها، المقدر بحوالى 16 مليار دولار، إضافة إلى تجهيل 40% من جيل كامل من الأطفال، ستحتاج الدولة لإعادة تأهيله إلى مبلغ 5 مليارات دولار.
والحالة ذاتها تنطبق على القطاع الصحي لناحية الاستهداف المباشر، عبر تدمير المستشفيات وخاصة العامة واستهداف الكوادر الطبية. وتؤكد الدراسة أن ما نسبته 45% من المراكز الصحية باتت خارجة عن الخدمة، وأن سوريا خسرت قرابة 37% من كوادرها الصحية، وهو معدل غير مسبوق في أي دولة من دول العالم». عدا عن «سرقة محتويات هذه المراكز والمشافي من تجهيزات حديثة، لتقدر خسائر القطاع الصحي بـ 12 مليار دولار، وتكلفة إعادة تأهيله بما يزيد على 25 مليار دولار». في حين بلغت خسائر قطاع النقل، حسب الدراسة، لجهة عدد السيارات والآليات المسروقة وتدمير عدد كبير من مديريات النقل والطرق العامة والجسور والبنى التحتية، حوالى 5 مليارات دولار، ويلزم تأهيله قرابة 6 مليارات دولار.
وتشير الدراسة الى أن خسائر القطاع النفطي تجاوزت 29 مليار دولار، مبيّنة أن الخسائر النفطية هي خسائر باتجاهين، أولها عدم إمكانية الاستفادة من النفط الوطني، وثانيها اضطرار الدولة إلى استيراد حاجة سوريا من النفط من الأسواق العالمية، وعدم إمكانية استثمار الحقول النفطية والغازية المكتشفة حديثاً. وفيما يخص خسائر القطاع البيئي، فقد تضررت الغابات بشكل غير مسبوق، جراء الحرائق في مناطق التوتر وخاصة الغابات الساحلية، إلى جانب الحرائق في المنشآت النفطية وقطع أشجار الغابات للتدفئة أو تدميرها لتحويلها إلى أرض زراعية، وتقدر خسائر هذا القطاع بحدود 17 مليار دولار.
النزف البشري
يؤكد الدكتور يوسف في دراسته أن هجرة الكوادر تعدّ الخسارة الأكبر، لكونها شكلت نزفاً مركباً للاقتصاد الوطني يصعب تعويضه قريباً، إضافة إلى الوقت والمبالغ الهائلة التي تحتاج إليها لإعادة تأهيل كوادر جديدة.
وتقدر الدراسة تلك الخسائر بما يزيد على 8 مليارات دولار، كما تبلغ خسائر الدولة من نزف طاقاتها المهاجرة وتكلفة تأهيلها ما يزيد على 7 مليارات دولار، أما إعادة تأهيل مثل هذه الكوادر للمساهمة بإعادة الإعمار فتتجاوز 25 مليار دولار، وهو ما يرفع خسائر سوريا بسبب الهجرة إلى 40 مليار دولار.
وترصد الدراسة تأثير الحرب على معيشة المواطنين، الذين بات 89% منهم «تحت خط الفقر المدقع»، وهذا يشكل المنعكس الأخطر للحرب، إذ يلاحظ أن نسبة الدخل للغالبية العظمى من المواطنين لا تصل إلى 20% من حجم الدخل، وهذا الواقع يتطلب رفع الأجور بنسبة ثمانية أضعاف على الأقل ليصل المواطن إلى مستوى معيشته قبل الحرب.
/انتهى/