الذكرى الأولى لاستشهاد رجل العلم والجهاد الشيخ نمر النمر
مرت الذكرى السنوية الأولى لارتكاب النظام السعودي أبشع جريمة قتل بحق آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر في 2 يناير 2016 والتي يتألم لوقعتها جميع المسلمين في العالم لهذه الجريمة والتي ثلمت جزءً في عالم مراجع الدين العظام المجاهدين ضد الطغيان ، والذين يرفضون الخضوع للكفر كعادة جدهم الإمام الحسين (عليه السلام) حينما قال "هيهات من الذلة ".
وبهذه الذكرى الأليمة على قلوب المحبين نستعرض لكم مقتطفات من سيرته الذاتية والجهادية للمرجع الشيخ نمر باقر النمر ضد النظام السعودي الكافر.
ولادته وأسرته:
ولد الشهيد الشيخ نمر باقر النمر بمنطقة العوامية – وهي إحدى مدن محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية – عام 1379 هـ ، 1959م من أسرة مرموقة في المنطقة ، برز فيها علماء أفذاذ أبرزهم آية الله العظمى الشيخ محمد بن ناصر آل نمر (قده) ، وخطباء حسينيون كجده من أبيه : الحاج علي بن ناصر آل نمر المدفون إلى جانب أخيه آية الله الشيخ محمد بن نمر بمقبرة العوامية.
دراسته ورحلته لطلب العلم الديني :
بدأ دراسته النظامية في مدينة العوامية إلى أن انتهى إلى المرحلة الثانوية ؛ ثم هاجر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية طلباً للعلوم الدينية الشرعية في عام 1399 -1400 هـ ، ومن ثم هاجر إلى منطقة السيدة زينب (ع) قرب دمشق في سوريا لإكمال دراساته الحوزوية.
وتوج دراساته الحوزوية بنيله مرتبة الاجتهاد في الفقه بشهادة وتأييد كبار العلماء.
وزاول الشيخ النمر التدريس الحوزوي حيث درس المقدمات ، ومن ثم بدأ بتدريس السطوح وكان من أفضل المدرسين لكتب المكاسب ، والرسائل ، والكفاية ، كما قام بتدريس كتاب اللمعة الدمشقية مرات عديدة في حوزات إيران وسوريا ، كما ودرس كتاب جامع المدارك ، ومستمسك العروة الوثقى ، والحلقات للسيد محمد باقر الصدر ، وغيرها من الدروس الحوزوية.
وتخرج على يديه ثلة من العلماء الأفاضل الذين تبوءوا مراتب دينية واجتماعية وقيادية رفيعة في مجتمعاتهم.
نشاطاته ومشاريعه :
أنجز الشهيد عددا كبيرا من المشاريع التي أثرى بها الساحة المحلية والإقليمية ، وكان لبعضها تأثير ملحوظ سواءً على المستوى الديني أو الفكري أو الاجتماعي أو السياسي ؛ منها :
بعد انحسار المد الديني والرسالي في المنطقة – وبالذات في مدينة العوامية – منتصف التسعينات عمل على إعادته من خلال تبني عدة نشاطات ساهمت في خلق الوعي الديني والرشد الفكري ، وذلك من خلال:
1) إمامة الجماعة لجميع الفرائض في أحد المساجد التي لم يكن يصلى فيها جماعة وهو مسجد الإمام الحسين (ع) بحي الزارة في العوامية ، الذي سمي بعد توسعته بجامع الإمام الحسين (ع) ، وقد مارس فيه ويمارس عدة نشاطات وفعاليات.
2) إقامة صلاة الجمعة عام 1424 هـ بمدينة العوامية، والتي انقطعت عن منطقة القطيف لسنوات طويلة تربو على الخمسين عاماً ، والتي اقتصر إقامتها في مدينة سيهات على مقلدي آية الله العظمى الشيخ حسين العصفور (قده) ، وقد أثمر عودتها عن إقامتها في مدينتي صفوى وتاروت مباشرة، وبعد سنوات أقيمت كذلك في منطقة القطيف.
3) سعى جاهداً لتفعيل دور المرأة في المنطقة، واستثمار طاقاتها في المجالين الديني والاجتماعي، ابتداءً من المشاركة والحضور في صلاة الجماعة ومروراً بالمشاركة في البرامج الدينية المختلفة، ونجح في إشراك مجموعة من النسوة في إدارة بعض المشاريع الثقافية والتعليمية، حيث اكتسب عدد منهن على المحاضرة والكتابة والتأليف.
4) أثرى الساحة الإسلامية بما يقارب من ألفي محاضرة في مختلف المواضيع الدينية والثقافية والاجتماعية.
5) له مساهمات عديدة في الملتقيات والمنتديات والمؤتمرات الدينية والعلمية في المنطقة وخارجها.
6) وضع بحوثا وألف مقالات نشرتها مجلة البصائر ونشرات متفرقة في مواقع الإنترنت.
7) حمل على عاتقه محاربة العرف الاجتماعي والديني الجاهلي والتقاليد البالية، وكسر الأغلال الاجتماعية السيئة التي تعيق تقدم الإنسان وتحمله أضعاف ما يحتمله، وتحمل في سبيل ذلك مقاطعة بعض الفئات الاجتماعية والدينية له، ومحاولة تشويه الصور التي يرسمها عن البديل الأصيل لتلك الأعراف الخاطئة.
8) كان يشجع ويساهم كثيرا في زواج الشبان عبر الدعوة الى خفض المهور وتقليل التكاليف الباهظة للزواج ، وسعى إلى إقناع البعض فيها بالاستنان بالسنة النبوية الشريفة وأهل بيته الطاهرين من خلال اعتماد صداق السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
9) أنشأ حوزة لتدريس العلوم الدينية باسم الإمام القائم (عج) في بلدته العوامية في عام 1422 هـ ، فكانت بداية انطلاقتها باسم (المعهد الإسلامي)، وقد حوت في صفوفها الدراسية الرجال والنساء في قسمين منفصلين.
10) أطلق نداؤه المدوي بضرورة إعادة بناء أضرحة أئمة البقيع الغرقد التي هدمها الوهابيون وآل سعود في الثامن من شوال لعام 1344هـ ، بعد أن غابت هذه القضية عن الساحة عقوداً من الزمن، حيث ابتدأ النداء على مراحل:
* نادى الشيخ النمر في عام 1425 هـ بإقامة مهرجان بسيط لإحياء هذا الحدث تحت عنوان: (البقيع حدث مغيب) وقد تعرض هذا المهرجان لتدخل أمني من قبل السلطات السعودية، مما أسفر عن منع إقامة المهرجان، بعد أن تعرضت الحكومة لضغوط كبيرة وكثيرة من الوهابية التي ثارت ثائرتها بحجة "إقامة شركيات في بلاد التوحيد"، مما سبب ذلك استدعاء الشيخ الشهيد من قبل السلطة، حيث تم تطويق منزله بسيارات رجال المباحث، وقد رفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، ومارسوا الضغوط عليه ليلغيه.
* بعد عام أقيم المهرجان وسط ارتباك رجال الأمن ورغم عراقيل السلطة.
* أثمرت نداءات الشيخ عن إحياء ذكرى البقيع حيث خرجت مسيرات سلمية في بلدان إسلامية وأوربية وأميركا منادية ببناء أضرحة البقيع المهدمة.
11) في عام 1428 هـ قدّم الشيخ لنائب أمير المنطقة الشرقية عريضة نموذجية غير مسبوقة تجسد المطالب الشيعية في المملكة، وقد أثنى على هذه المطالب المعارض السعودي السني: سعد الفقيه ، بالرغم من أنه كان يحرض الحكومة في ثنايا مدحه، ويدين علماء السنة ويلفتهم للتعلم من الشهيد النمر كيفية المطالبة وفي أي أمر يطالبون به.
12) في ليلة العاشر من شهر محرم لعام 1429 هـ نادى سماحته بتشكيل (جبهة المعارضة الرشيدة)، والتي من وظيفتها ومسؤولياتها – حسب ما ورد في محاضرته تلك – معارضة الفساد: الاجتماعي والكهنوت الديني والظلم السياسي الواقع على المواطنين الشيعة في السعودية.
* اعتقالات ومضايقات أسرة آل سعود للشهيد النمر:
1- لاقى الشهيد مضايقات عديدة من قبل رجال الأمن اذ كانوا يتناوبون على مراقبة منزله باستمرار، والتعرض له عن طريق الاستدعاءات المتكررة وبدون إذن مكتوب، ولكنه لم يتجاوب معها.
2- في عام 1424 هـ اعتقل سماحته بعد أقامة صلاة الجمعة في (ساحة كربلاء)، واستمرارها لعدة أسابيع، وقد طلبوا منه – بالإضافة إلى ترك إقامة صلاة الجمعة والبرامج المختلفة – إزالة البناء القائم في ساحة كربلاء ليطلق سراحه.
3- في عام 1425 هـ اُستدعي الشهيد من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان البقيع "البقيع، حدث مغيب" وطوقت منزله سيارات رجال الأمن، ورفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته لكي يلغيه.
4- في عام 1426 هـ أُستدعي الشهيد من أجل إلغاء مهرجان البقيع (البقيع الخطوة الأولى لبنائه)، وقد استمر بقاء الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، وقد أخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات.
5- في عام 1427 هـ اعتقل الشيخ الشهيد أثناء عودته من البحرين عقب حضوره مؤتمر للقرآن الكريم، واقتيد أثناء اجتيازه جسر الملك فهد إلى المعتقل، اثر تقارير مكذوبة، وتعرض للإساءة بسبب مطالباته الدينية والمدنية منها تدريس المذهب الشيعي في المدارس، وبناء أضرحة البقيع، ومحاضراته الدينية والاجتماعية، واستمر اعتقاله قرابة أسبوع، مما أسفر عن خروج تظاهرات احتجاجية في العوامية ساهمت في إطلاق سراحه.
6- في عام 1429هـ استدعي إلى محافظة القطيف، ولما لم يتجاوب مع السلطة اودع في سجن بالدمام اثر رفضه التوقيع على تعهد بعدم إلقاء الخطب – وبالذات الجمعة- والدروس، ما أدى لاعتقاله في السجن الانفرادي بقرار من وزير الداخلية، أو التوقف عن إلقاء الخطب لكن اعتقاله لم يستمر أكثر من يوم وليلة.
إطلاق النار عليه واعتقاله:
استمرت السلطة بمضايقته وصنع الذرائع لاعتقاله بهدف التخلص منه نهائيا حيث اعتقل في يوليو/تموز 2012 عقب تأييده احتجاجات حاشدة اندلعت في فبراير/شباط 2011 في القطيف بالمنطقة الشرقية.
وأطلقت الشرطة النيران عليه ما أدى إلى إصابته بجروح أثناء عملية الاعتقال وتذرعت وزارة الداخلية بمحاولته الهرب ومقاومة رجال الأمن.
وقالت تقارير إن الشرطة أطلقت عليه أربعة أعيرة نارية أثناء مطاردة سيارته في منطقة القطيف بالمنطقة الشرقية.
قرار السلطة باعدام الشيخ النمر:
انتقد النمر عام 2012 تعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز وقتها وليا للعهد، بعد وفاة ولي العهد السابق نايف بن عبد العزيز.
واعتقل النمر في الثامن من يوليو/ تموز 2012 وحكم عليه بالإعدام يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
وبعد تولي سلمان آل سعود السلطة في السعودية عقب وفاة شقيقه عبد الله شددت السلطة ضغوطها على اتباع اهل البيت (ع) في مدن البلاد لاسيما في المنطقة الشرقية حيث أصدرت مجموعة من قرارات السجن والإعدام بحق المعارضين.
وفي 2 كانون الثاني/ يناير 2016 نفذت السلطات قرار إعدام الشيخ النمر.
وبعد تنفيذ حكم الإعدام انطلقت المسيرات الاحتجاجية في بلدان المنطقة والعالم احتجاجا على الحكم الجائر بحق عالم ديني كبير لا لذنب سوى ممارسته حقه المدني المشروع في بيان مطالب المسلمين الشيعة في المنطقة الشرقية وغيرها من مدن البلاد.
ولم تسلم السلطات جثمانه الطاهر الى ذويه كما عمدت الى إخفاء قبره خوفا من تحوله الى مركز للاحتجاجات ضد أسرة آل سعود الظالمة والجاثمة على ارض الجزيرة منذ أكثر من سبعين عاما والتي تحكم شعبها وفق تقاليد الأنظمة الإقطاعية البائدة في العصور الوسطى المظلمة.
المصدر: بغداد تايمز
/انتهى/