حضارات عريقة على ضفاف نهر هيرمند والمدينة المحترقة مثال حي على ذلك+صور وفيديو
نهر هيرمند يدخل الأراضي الإيرانية قادماً من دولة أفغانستان ليجتاز براري محافظة سيستان وبلوتشستان، وبطبيعة الحال أينما وجدت نعمة الماء وجدت إلى جانبها الحضارات البشرية، لذلك تأسست على ضفاف هذا النهر الكبير عدة حضارات بشرية كانت مزدهرة في العهود السالفة ومن أبرزها المدينة المحترقة.
خاص بوكالة تسنيم الدولية للأنباء - هذا التقرير هو من سلسلة التقارير الخاصة بوكالة تسنيم الدولية للأنباء حول أجمل المعالم الأثرية والأماكن السياحية والدينية في إيران والتي تستقطب سنوياً الملايين من السائحين والزائرين المحليين والأجانب، وهناك الكثير من المناطق التي ما زالت بكراً ولم تشيد فيها مواقع خاصة لتقديم خدمات سياحية لكن يمكن للمتكتشفين ومحبي الطبيعة شد الرحال إليها لاستطلاع معالمها عن كثب والتلذذ بمناظرها الطبيعية والجغرافية الفريدة من نوعها، وإيران هي واحدة من البلدان الأكثر أماناً في العالم وجميع السائحين والزائرين يمضون أوقات ممتعة في أجواء آمنة حين يقصدونها كما أن نفقاتهم المالية أقل بكثير مما ينفقونه فيما لو قصدوا أي بلد سياحي آخر، لذلك فإن أعدادهم تتزايد عاماً بعد عام.
وأفاد مراسل وكالة تسنيم من مدينة زاهدان مركز محافظة سيستان وبلوتشستان أن الحفريات الاستكشافية في أطلال المدينة المحترقة أثبتت أن عمر هذه المدينة 5000 عام ومن ضمن الآثار التي تم العثور عليها وسائل علاج طبية تنم عن تطور الطب والعلاج في تلك الآونة حيث أجريت عمليات جراحية للرأس كما هو بادٍ في الجماجم التي عثر عليها وكذلك هناك آثار لأعمال تجميل.
التطور الطبي المذهل في المدينة المحترقة
تم اكتشاف جمجمة يرجع تأريخها إلى 4800 عام لشاب في المدينة المحترقة ويعتقد خبراء الآثار بأن الأطباء آنذاك أجروا له عملية جراحية في رأسه علاجاً لمرض تعرض له، وقد تم ترميم محل العملية الجراحية بأسلوب طبي متطور وبقي هذا الشاب حياً لكنه توفي بعد ذلك جراء نزيف من مكان الجرح.
ومن جملة العمليات الجراحية الأخرى التي أجراها الأطباء آنذاك، عمليات التجميل وبما في ذلك زرع عين صناعية لإحدى السيدات وقد تم تصميم هذه العين بشكل دقيق لدرجة أن المختصين رسموا فيها الشعيرات الدموية أيضاً لكي تبدو للناظر وكأنها طبيعية.
فضلاً عن علم الطب في هذه المدينة التراثية، فقد انتعش فن البناء والعمارة وازدهرت الحرف الصناعية والصناعات اليدوية آنذاك، حيث تم اكتشاف الكثير من الوسائل والمعدات التي تؤكد هذا الأمر وبما في ذلك مسطرة في غاية الدقة حيث نقشت قياساتها بمقدار نصف المليمتر، ناهيك عن وجود نظام إداري وقوانين مدنية راقية.
أقدم الألعاب الفكرية في العالم وأول صور ثلاثية الأبعاد
اكتشف خبراء الآثار في المدينة المحترقة لعبة فكرية تشابه لوحة لعبة النرد - الطاولة - وفيها تصاميم متطورة لذا يمكن اعتبارها أقدم لعبة في العامل، وهذا ينم عن أن الإيرانيين كانوا من أوائل الذين عملوا على تعزيز الفكر البشري بشتى السبل.
فضلاً عما ذلك فسكنة هذه المدينة قد أبدعوا في صياغة الحلي ووسائل الزينة وقبل آلاف الأعوام تمكنوا أيضاً من رسوم صور متحركة بشكل ثلاثي الأبعاد حيث عثر على عنزة مرسومة على
كأس وعند تدويره وتحريكه فهي تبدو وكأنها تتحرك معه وتقفز وتتغذى على إحدى الشجيرات الصغيرة، وعلى هذا الأساس أكد المختصون بعلم الآثار بأن هذا الاكتشاف يثبت أن الإيرانيين القدماء هم أول من أنتج الصور ثلاثية الأبعاد.
كما أثبتت الكشفيات أن هذه المدينة كانت تدار وفي نظام إداري سياسي متطور للغاية إذ كان الناس آنذاك يعيشون وفق نظام مدني متكامل ولديهم خدمات عامة كثيرة مثل نظام المجاري لمياه الصرف الصحي وتأسيس المنازل بأنابيب المياه ناهيك عن النظم والترتيب في بناء البيوت والأزقة.
وقال السيد مهدي مرتضوي الخبير بآثار المدينة المحترقة واصفاً النظام السياسي الذي كان حاكماً فيها: بإمكاننا الحديث عن وجود نظام سياسي إداري متكامل في هذه المدينة وهناك شواهد تأريخية تدل عليه، حيث تم العثور على أختام رسمية وبعض الوثائق التي يستشف منها أنها كانت أنموذجاً لتوقيع بعض الشخصيات البارزة كالتجار على سبيل المثال.
وأكد السيد مرتضوي أنه إلى جانب هذه الأختام، عثر أيضاً على ألواح منقوشة ومدونة مما يدل على وجود نظام إداري متطور آنذاك، ويعتقد خبراء الآثار أن هذه أهالي هذه المدينة قد أبدعوا في شتى المجالات وبما في ذلك صنعة الحياكة والنسيج وإنتاج الأحذية والأختام وصناعة السجاد والفخار وصهر المعادن وصياغة الحلي بشتى أنواعها وما إلى ذلك من إنجازات أثبتتها الاسكشافات الأثرية، كما أن المدينة كانت منظمة بشكل مذهل لدرجة أن المعامل كانت في خارجها وهو أمر يشابه النظام المدني الحديث.
يقول بعض الخبراء أن هذه المدينة يتجاوز عمرها 5200 عام وقد تم تدوينها في قائمة اليونسكو للآثار العالمية، حيث تقع على مسافة 56 كم من مدينة زابل وتحاذي نهر هيرمند.
نهر هيرمند (نيل إيران)
يصف بعض الخبراء نهر هيرمند بأنه نيل إيران وذلك لكثرة الحضارات التي تأسست على ضفافه ومن أبرزها حضارة المدينة المحترقة، ويبلغ طوله أكثر من 1200 كم حيث ينبع من المناطق الشمالية للعاصمة الأفغانية كابول وبعد أن يجتاز مسافة 1200 كم يدخل الأراضي الإيرانية في المناطق الشمالية لمحافظة سيستان وبلوتشستان، ولكن من المؤسف اليوم أن السلطات الأفغانية شيدت بعض السدود في مسير هذا النهر بشكل غير قانوني مما أدى إلى تضاؤل مياهه وجفافها حيث كان مصدراً أساسياً لبحيرة هامون الدولية والتي جفت اليوم إثر بناء السدود المشار في أفغانستان.
/ انتهى/