خاص/ تسنيم.. تحولات الرأي العام في الأراضي المحتلة / 3 سيناريوهات محتملة للتوترات المقبلة


خاص/ تسنیم.. تحولات الرأی العام فی الأراضی المحتلة / 3 سیناریوهات محتملة للتوترات المقبلة

الحرب التي استمرت 12 يوماً كشفت عن تحولات في الرأي العام داخل الأراضي المحتلة. وبالتزامن مع هذا التغير، طُرحت ثلاثة سيناريوهات رئيسية بشأن مستقبل التوترات. في هذا الحوار، يتحدث داوود عامري عن سبل مواجهة الحرب النفسية وأبعاد هزيمة الكيان الصهيوني في هذه المواجهة.

داوود عامري، الباحث في الدراسات الثقافية والشؤون الدولية والأمين العام للمجمع العالمي للسلام الإسلامي، قال في حديث مع مراسل وكالة تسنيم الدولية للأنباء عن خصائص الحرب المفروضة التي شنها الكيان الصهيوني ضد الشعب الإيراني لمدة 12 يوماً: "للإجابة الكاملة على هذا السؤال، لا بد من التوقف عند جذور نشوبها. فشعار الاستقلال والدفاع عن حقوق المظلومين، منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، جعل بلدنا في مواجهة عدوين شرسين: الأول هو النظام الاستكباري بقيادة الولايات المتحدة، حيث واجهت إيران الإسلامية منذ انتصارها أنواعاً من العقوبات والضغوط الدولية، والثاني هو الكيان الصهيوني الذي وبسبب دعم الجمهورية الإسلامية لقضية فلسطين، ما انفك يخطط المؤامرات ضد إيران."

الحرب المركبة والملف النووي: أداة لتقييد إيران القوية

وأضاف عامري: "هذا العدوان فُرض على إيران رداً على تمسكها بالحق والاستقلال ومقاومتها لروح العدوانية التي يتميز بها النظام الاستكباري والكيان الصهيوني. ومن الواضح أن العدو، من أجل تبرير عدوانه أمام الرأي العام الدولي وكسب تأييد حلفائه، اتخذ من الملف النووي الإيراني والأنشطة النووية السلمية التي كانت تجري تحت إشراف الوكالة الدولية ذريعة لاعتداءاته. فهم لا يتحملون وجود إيران قوية وكبيرة."

وأكد عامري أن "الحرب الجارية ضد إيران ينبغي فهمها في إطار التحولات المرتبطة بالنظام الدولي الجديد عقب التراجع النسبي للهيمنة الأمريكية، والتنافس بين القوى الكبرى، والأزمات الإقليمية في غرب آسيا." وقال: "إنها نوع من الحرب المركبة التي تُستخدم فيها الأدوات الصلبة والناعمة في مجالات ومستويات متعددة. وفي هذا السياق، يسعى كل من أمريكا والكيان الصهيوني من جهة إلى تقييد قدرات إيران عبر العقوبات المشلّة والعمليات التخريبية كاغتيال العلماء والقادة، والهجمات السيبرانية، والإجراءات البرمجية، وصناعة الروايات. ومن جهة أخرى، يعملان عبر الحرب الإعلامية والمعلوماتية على توجيه الرأي العام الداخلي والإقليمي لمصلحتهما."

جذور الحرب ذات الـ 12 يوماً / استقلالية إيران في مواجهة الأعداء

وتحدث الباحث في الدراسات الثقافية والشؤون الدولية عن مواقف دول المنطقة والقوى العالمية بعد الحرب التي فرضها الكيان الصهيوني على إيران قائلاً: "إن معظم دول المنطقة، نظراً لتقاطع المصالح بينها وبين إيران وخشيتها من اتساع رقعة انعدام الأمن والحرب، سعت إلى اتخاذ مواقفها بما يضمن استقرار المنطقة. لكن أغلبها أدان هجوم الكيان الصهيوني على إيران. صحيح أن بعض دول المنطقة على علاقة بالكيان الصهيوني وتتعاون معه، ولها علاقات خاصة مع أمريكا، إلا أن سلوك الكيان الصهيوني وغطرسته أثار قلق تلك الدول أيضاً، ويبدو أنها تعيش حالة من الغموض الاستراتيجي. فهي تدرك أحقية موقف الجمهورية الإسلامية، لكنها في الوقت نفسه تراعي حسابات أخرى. وهذا الأمر زاد من تعقيد التفاعلات الإقليمية."

الأمين العام للمجمع العالمي للسلام الإسلامي أشار إلى أنّه "على صعيد القوى الكبرى، فإنّ الولايات المتحدة، باعتبارها الحليف الرئيسي للكيان الصهيوني، قدّمت له دعماً شاملاً، وسعت عبر تعزيز حضورها العسكري والسياسي في المنطقة إلى الحد من نفوذ إيران. كما عملت واشنطن على تضييق الخناق على إيران من خلال العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية، فيما كانت بعض الدول الأوروبية أيضاً من بين الداعمين للكيان الصهيوني. وفي المقابل، قدّمت روسيا والصين، وهما من القوى الكبرى عالمياً، دعماً لإيران، غير أنهما أيضاً لهما حساباتهما الخاصة وصراعاتهما مع أميركا وأوروبا حول مصالحهما، ما يجعلهما يراعَيان بعض الموازنات. وعلى العموم، ازدادت شرعية ومكانة إيران خلال الحرب وبعدها على الساحة الدولية، في حين تراجعت شرعية الكيان الصهيوني بالقدر نفسه. ومع ذلك، لا ينبغي التغافل عن التهديدات التي ما زالت تواجه إيران."

الدور المحوري للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام

وعن دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب وصياغة الرأي العام، قال عامري: "باتت للإعلام ووسائل التواصل اليوم أدوار محورية ومؤثرة في تغطية الحروب وتشكيل الرأي العام. وبالنسبة للحرب التي فرضها الكيان الصهيوني على إيران، يمكن تقسيم دور الإعلام ووسائل التواصل إلى عدة محاور:

الإعلام الرسمي والدولي الإيراني: فقد حاول عبر التغطيات المباشرة، التحليلات، والروايات الخاصة عن الحرب، أن يوجّه الرأي العام الداخلي والإقليمي. وداخل إيران، ركّز الإعلام الرسمي على المقاومة والتضحيات، وسعى إلى تقوية الروح الوطنية وتعزيز التلاحم الداخلي عبر بث رسائل ضد عدوانية الكيان الصهيوني، وقد نجح إلى حد كبير، حتى أن وحدة الإيرانيين كانت من أبرز أسباب فرض وقف إطلاق النار على الكيان.

الإعلام الغربي وبعض وسائل الإعلام الإقليمية: ركّزت هذه على أبعاد الحرب المختلفة، تداعياتها ومواقف الأطراف، وغالباً ما انحازت لبعض الأطراف وعكست روايات متباينة.

وسائل التواصل الاجتماعي: لعبت الفضاءات الافتراضية دوراً في نشر الصور والفيديوهات وآراء المواطنين والصحفيين والنشطاء، وأسهمت في صياغة الرأي العام. هذا الفضاء عزز تبادل النقاشات حول الحرب، وأدى إلى تصاعد النزعة الوطنية داخل إيران وتنامي المواقف المناهضة للحرب على المستوى الدولي. ولذا يمكن القول إنّ المستخدمين الإيرانيين نجحوا في هذا المجال رغم الإمكانات المحدودة مقارنة بإمكانات أميركا والكيان الصهيوني ووسائلهم الإعلامية، وهو ما جعل الطرف الآخر أقل نجاحاً في هذه الساحة، رغم وجود بعض النواقص التي يجب معالجتها."

آفاق الحرب المعقدة: عوامل التصعيد أو التهدئة ودور الدبلوماسية

وعن السيناريوهات المحتملة للحرب في الأشهر المقبلة، قال الباحث: "إنّ مستقبل الحرب يعتمد بدرجة كبيرة على عوامل إقليمية ودولية مختلفة. ومن المهم النظر إلى العناصر التي يمكن أن تزيد أو تقلل من حدتها: مثل التغييرات السياسية في المنطقة والعالم، القدرات الدفاعية الإيرانية، ميزان القوى العسكرية والتكنولوجية، إضافة إلى مسار الدبلوماسية والمفاوضات. ومن الطبيعي أن تسهم الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية في تخفيف التوترات والبحث عن حل سياسي في وقف أو خفض الصراع، غير أن ذلك يتطلب إرادة قوية لفرض سلام عادل والاعتراف بحقوق السكان الأصليين للأراضي المحتلة إلى جانب السكان اليهود. لكن بالنظر إلى إصرار الكيان على احتلال قطاع غزة وممارسة الإبادة هناك، وطرحه مشروع ’إسرائيل الكبرى‘، فإنّ مثل هذا الأفق غير قائم حالياً."

وأردف عامري: "هذا الكيان ما زال يحلم بالسيطرة من النيل إلى الفرات، وقد احتل أجزاءً من سوريا، ومع هذه الظروف فإن احتمال التصعيد قائم بقوة، بالنظر إلى التوترات الراهنة والتنافسات الإقليمية والدعم الأميركي اللامحدود لجرائم وعدوان الكيان. وهو ما قد يؤدي إلى اتساع رقعة الحرب إلى مناطق أخرى. والسبيل الوحيد لردع الحرب هو امتلاك إيران لقوة ردع راسخة واستخدامها في مواجهة نزعة الأحادية الأميركية، وهو ما أجبر الكيان على قبول وقف إطلاق النار. وبكل الأحوال يبدو أن إيران ليست الساعية إلى الحرب، فيما الكيان الصهيوني هو من يسعى إليها متى ما امتلك القدرة."

قدرة الردع الإيرانية؛ السبيل الوحيد لوقف الحرب وضرورة صياغة السيناريو المطلوب

أكد عامري أن "آفاق الحرب معقدة ومرتبطة بعوامل متعددة، ما يجعل التنبؤ الدقيق بمسارها أمراً صعباً. ومع ذلك، فإن احتمال التصعيد قائم كما أن احتمال التوصل إلى نهايتها موجود، ويعتمد الأمر بدرجة كبيرة على التطورات السياسية والدبلوماسية والعسكرية المقبلة. لكن الأهم من ذلك أن إيران، بدلاً من الاكتفاء بدراسة الاحتمالات – وهو أمر جيد بحد ذاته – عليها أن تصوغ السيناريو المطلوب الذي يخدم الشعب الإيراني والعالم الإسلامي."

وفي رده على سؤال حول نظرة الرأي العام في إيران والكيان الإسرائيلي تجاه بعضهما وكيف يمكن لهذه الرؤى أن تؤثر على القرارات السياسية والعسكرية، قال: "سؤالكم بالغ الأهمية، إذ له جذور تاريخية وثقافية عميقة ويترك انعكاسات واسعة على السياسات والقرارات العسكرية. ففي إيران، يُنظر إلى الكيان الصهيوني بوصفه عدواً رئيسياً ومحتلاً للأراضي الفلسطينية، وتهديداً للأمن الوطني والإقليمي. قضية فلسطين ومصالح الدول الإسلامية في مواجهة إسرائيل مرتبطة بطبيعتها العدوانية والإجرامية، وإيران وفقاً لدستورها وأهدافها الثورية الكبرى تقف بوجه أطماع هذا الكيان. اليوم يقف الإيرانيون صفاً واحداً في وجه العدو رغم وجود بعض النقائص. إسرائيل في الوجدان الإيراني تحوّلت إلى قضية وطنية ودينية يتماهى معها جزء كبير من الشعب الإيراني."

تحولات الرأي العام في الأراضي المحتلة / 3 سيناريوهات محتملة للتوترات المقبلة

أما عن الرأي العام داخل الأراضي المحتلة، أوضح الباحث أنه "بسبب الرقابة الشديدة المفروضة خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً وما بعدها، يصعب تقديم تقييم دقيق. لكن من القرائن يتضح أن جهاز الدعاية التابع للكيان كان يروّج لإيران بوصفها التهديد الأمني والنووي الأكبر. ومع ذلك، فإن أحد أهم نتائج هذه الحرب كان انكشاف زيف دعاية أميركا والكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل الرأي العام، سواء في العالم أو داخل الأراضي المحتلة نفسها، يشهد تحولاً ملحوظاً."

وفي ما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة لمستقبل التوتر بين إيران والكيان الصهيوني، قال الأمين العام للمجمع العالمي للسلام الإسلامي: استمرار التوتر عبر اشتباكات محدودة وحروب بالوكالة. وتصعيد وتوسّع المواجهة نحو صدام مباشر. والتوصل إلى وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات دبلوماسية.

وأضاف: "هذه السيناريوهات الثلاثة هي الأكثر تداولاً بين المحللين والخبراء حول العالم، لكنني أؤكد مجدداً أن إيران يجب أن تصوغ سيناريوها الخاص. ومن الطبيعي أن مواجهة الحرب النفسية والإعلامية للعدو تحتاج إلى بنية ملائمة، استثمارات صحيحة، واستراتيجيات متعددة وذكية. وأرى أن الخطوة الأولى في مواجهة العمليات النفسية والإعلامية للعدو تكمن في رفع مستوى الوعي الإعلامي لدى المجتمع، من خلال برامج لتعليم الناس كيفية التمييز بين الأخبار الكاذبة والإشاعات ودعاية العدو، وتنظيم ورش عمل ودورات وحملات توعية في المدارس والجامعات والفضاء العام، وأيضاً تشجيع الناس على الرجوع إلى المصادر الإخبارية الموثوقة والمحلية."

وتابع قائلاً: "الحل الثاني هو تقوية الإعلام المحلي عبر التعاون مع المراكز الفكرية والنخب لإنتاج محتوى متنوع، جذاب وذي جودة عالية يعكس الحقائق بوضوح. إلى جانب ذلك، فإن سرعة التفاعل والرد الذكي والسريع على الشائعات مسألة بالغة الأهمية. وهناك أيضاً عناصر أخرى لا تقل أهمية، مثل الحفاظ على التماسك الاجتماعي والثقة العامة، استخدام أدوات التكنولوجيا والأمن السيبراني، تعزيز الدبلوماسية الإعلامية والدولية. جميع هذه العناصر ضرورية. إن مواجهة الحرب النفسية والإعلامية تتطلب الاستفادة من جميع الإمكانات المتاحة، عبر خطط مناسبة، وتنسيق بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والإعلام والمجتمع المدني والمواطنين."

انهيار الشرعية، التراجع وطلب وقف إطلاق النار من قِبل الكيان الصهيوني / سردية الانتصار الإيراني في الوعي العام

وقال عامري في تقييمه لنتائج هذه الحرب: "لقد هاجم الكيان الصهيوني إيران بأهداف محددة، من بينها السعي إلى إسقاط النظام الإسلامي، لكننا نرى اليوم عملياً أن إيران باتت أكثر قوة وتماسكاً من ذي قبل، وأكثر استعداداً لمواجهة تهديدات الأعداء. وعلى عكس ما كان يتوقع العدو، فإن زيادة التلاحم والوحدة الوطنية في هذه المرحلة أدهشت الأعداء وأصابتهم بالخيبة. وهذا بحد ذاته دليل واضح على فشل الكيان الصهيوني. وبالطبع، نحن لا ننكر الخسائر التي ألحقها العدو بنا، خصوصاً في اغتيال قادتنا وعلمائنا النوويين، إذ نحفظ لهم ذكراهم ونكرم أسماءهم."

وأضاف الباحث في الدراسات الثقافية والشؤون الدولية أنّ "العدو الصهيوني المعتدي تكبّد خلال الحرب المفروضة التي استمرت 12 يوماً هزائم فادحة، ويمكن تعداد أبرزها على النحو الآتي: فشل أسطورة الدفاع الجوي متعدد الطبقات للكيان الصهيوني. وتدمير وإرباك الموانئ التجارية والاقتصادية الحيوية للكيان. وتصاعد الهجرة العكسية من الأراضي المحتلة. وفرض تكاليف مالية باهظة جداً على الكيان الصهيوني. وتراجع مخزون السلاح والمعدات العسكرية، خصوصاً في مجال الدفاع الصاروخي. وتكبّد خسائر بشرية كبيرة. وتعمّق الانقسامات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي. وإبراز صورة تعاظم القدرات العسكرية والتكنولوجية لإيران. وتنامي مشاعر الكراهية العالمية تجاه الكيان الصهيوني. وسقوط الرواية التي حاولت أميركا والكيان فرضها حول ضعف إيران. والعواقب الدولية الخطيرة الناجمة عن مهاجمة المنشآت والمراكز النووية الإيرانية. وإدانة عدوان الكيان الصهيوني في المحافل القانونية الإقليمية والدولية. وتراجع الشرعية الدولية للكيان الصهيوني. وتعزيز السردية القائلة بانتصار إيران، مقابل صورة التراجع وطلب وقف إطلاق النار من جانب الكيان، وهي رواية يزداد ترسخها في الوعي العام، داخلياً وخارجياً."

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة