استاذ جامعي عراقي لـ"تسنيم": الاحزاب السياسية العراقية بعيدة عما يريده الشارع

وفي تصريح لمراسل وكالة تسنيم الدولية للأنباء أوضح السعيدي أن الشارع العراقي اليوم يريد ان يثير الرأي العام ويصبح هناك حالة انسانية فهم  يضربون الشرطة ومكافحة الشغب وهؤلاء يقومون بالرد على هذه الافعال حتى يتمكنوا من تصويرها وبثها للرأي العام على ان هناك قمع وقتل  وبالتالي باتت الحالة هذه هي حالة لكسر هيبة الدولة والقانون على اعتبار ان هذا القانون هو قانون مجحف يقتل الابرياء وينال من الضعفاء والمتظاهرين، هذا هو ما يريده الامريكي والامم المتحدة اي كلما طالت التظاهرات كلما ضعفت العملية السياسية وضعف النظام السياسي.

ونوه الاستاذ الجامعي العراقي الى ان أمريكا تريد انهيار النظام السياسي واسقاطه بالكامل عبر القوى الناعمة على غرار ما فعلته عندما اسقطت نظام صدام لكن كان ذلك في تلك المرة بالقوى العسكرية.

واضاف، علينا ان نفوت الفرصة على الامريكي وعلى من يريد ان يقوم بعملية اسقاط العملية السياسية بأخذ معالجات وحلول سريعة تتناغم مع الشارع ولو مرحليا وان تتنازل الاحزاب السياسية عن مكاسبها حتى يتم امتصاص الازمة وبعكس ذلك فـ نحن سنكون مقبلون على نهايات مفتوحة لا يمكن التكهن بنتائجها.

وفي ما يلي نص الحوار مع استاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين العراقية د. اسامة السعيدي:

س) خلال الأيام الماضية عقد اجتماع في منزل رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، اتفقت خلاله 12 كتلة سياسية من أهم الكتل والتحالفات البرلمانية العراقية على منح رئيس الوزراء السيد عبد المهدي فرصة زمنية مدتها 45 يوما للعمل على تلبية مطالب المحتجين، فكيف تقيّم هذا الاجتماع من أجل انهاء الأزمة التي تشهدها البلاد؟

ج ) الاجتماع كان بعيدا عن الواقع، الاحزاب السياسية العراقية بعيدة عما يريده الشارع وعما يفكر به فهي تفكر بنفس العقلية السابقة عقلية التقسيم والتقاسم فيما بينهما من مواقع، اليوم الشارع يريد اصلاحات حقيقية يريد تغييرات جوهرية يريد وجوه جديدة.

اليوم بات الموظف يخشى ان يقول بانه موظف، وصلنا الى هذه المرحلة لأنه يتعرض للأذى من قبل المتظاهرين، ومن قبل الموجودين في الشارع، يقولون يجب ان تساهم في الاضراب، يجب ان تساهم في العصيان، لا بد ان يكون هناك عصيان مدني، لذلك بدأنا نفقد سلطة القانون في البلد، هذا المنحدر الذي وصلنا له الان، اكثر الجامعات معطلة، اكثر المدارس معطلة، اكثر المؤسسات تعمل بنصف دوام، لأنه لا يوجد هناك من يستطيع ان يفرض سلطة القانون او سلطة الدولة، الاجهزة الامنية باتت عاجزة على ان تقوم باي رد فعل لأنها تتهم بقمع التظاهرات، والمتظاهرين بدؤا يتمادون الى حد تدمير وتهديم مؤسسات الدولة، والدولة لن تعود كما كانت ولن تعود الحكومة كما كانت ما لم يأتي رئيس وزراء جديد.

س) ما رأيك في ما طرحته كتلة سائرون في البرلمان مؤخرا حيث انتقدت رئيس البرلمان "محمد الحلبوسي" وإتّهمته بأنه يماطل في عملية استجواب "عبد المهدي" وأكدت أنها ستظل تصر على الإطاحة بحكومته؟، الا يخشى البرلمان أن تؤدي عملية الإطاحة بحكومة عبد المهدي الى مزيدا من تعقيد الأمور؟

ج) كلامي قد يلتقي مع كلام او رأي كتلة او حزب لأسباب ليست بإرادتي، انا اتحدث عما يجري اليوم في الشارع العراقي اتحدث عن واقع جامعاتنا ومؤسساتنا والوضع المأزوم الذي نعيشه اليوم، نحن نفقد هيبة الدولة والقانون، الشرطي لا يستطيع ان يوقف سيارة يحاسبها يخشى من ان يتهم بحجة انه يعرقل التظاهرات والمتظاهرين، لا نستطيع ان نقول للطلاب والمتظاهرين عودوا الى مقاعد الدراسة لأننا نتهم بأننا ندافع عن الفاسدين، قد لا نعرف ما هي مطالب "سائرون" فهي قد تريد مآربا ورؤى سياسية خاصة بها.

س) هناك من يقول ان تشكيل حكومة جديدة قد لا يكون الحل الأمثل لان هذا الأمر من الممكن أن يودي من جديد الى صراع الأحزاب السياسية على المناصب الوزارية كما حدث خلال تشكيل الحكومة الحالية، وهذا باعتقاد هذه الفئة سيهدر الوقت، ما رأيك بهذه القضية؟

ج ) اليوم الكلمة للناس وليست للمكونات، اي بمعنى ماذا يريد المكون السني؟ ماذا يريد المكون الشيعي؟ ماذا يريد المكون الكردي؟. الكلمة اليوم للناس يجب يأتي اشخاص مستقلين تماما مهنيين حتى يحظون بقبول الشارع، وإلا ليس من الممكن ان تعيد استيراد نفس الوجوه المتحزبة لأنه سوف تستمر نفس المحنة ونفس الازمة، اليوم تحتاج الطبقة السياسية الى ان تقدم بعض التنازلات للشارع حتى تحافظ على ما تبقى من الدولة، فنحن اليوم ندخل في منحنيات خطيرة فسابقا الاحزاب كانت تقول نحن نخشى ان نعود الى المربع الأول، وأنا اليوم اخشى ان نعود الى المربع الأول، اخشى ان نعود الى ايام 9 / 4 / 2003 /، هذا ما تريده أمريكا، فهي تريد ان تطيل التظاهرات اكبر قدر ممكن، وكل يوم يمر على التظاهرات هو ينقص من رصيد العملية السياسية هذا ما يحصل اليوم وبالنسبة الى ممثلة الامم المتحدة في لقاء سابق كنا معها -نحن ممثلو النقابات والجمعيات- لقد قالت مسألتين بأن رئيس الوزراء يتحمل ما سقط من دماء في المظاهرات!، والقضية الثانية قالت على التظاهرات أن تستمر وهذا يعني أنهم يريدوا ان يديموا زخم التظاهرات وقوتها.

لو كانت الظروف طبيعية كان من الممكن ان يعذر السيد عبد المهدي ويستمر ويكمل فترته لكن اليوم هو تعرض الى ازمة وهجمة، هناك من يتلاعب بالرأي العام والشباب، لا يمكن ان ننكر بأن هناك ازمات ومشاكل، لكن هناك من فعل هذه الازمات وتلاعب بها وادى الى ان تخرج الناس بهذه الاعداد الكبيرة، لذلك من الصعب اليوم ان نكمل بنفس الرؤيا السابقة، رؤية ما قبل التظاهرات، لا بد من ان نمتص الغضب، نمتص النقمة الحاصلة بوجوه جديدة و مستقلة، لا اقول بانها ستكون الحل السحري لكن على الاقل نوقف الهجوم، هناك هجوم على المؤسسات وعلى الدولة، هجوم اعلامي، النيل من اي شخص يتحدث يجب ان تكون الامور مرتبة، لا ان تكون بهذه الطريقة، تتهم بكافة الاتهامات والتخوين، اليوم لا تقدر ان تنادي بعمل مؤسساتي فالشارع اليوم يمر بحالة من الغضب غير المسيطر عليه، حتى هم لا يمتلكون قيادات تتكلم معهم لكي يهدأ الموقف والوضع الحاصل، لذلك هنا تكمن الخطورة وللأسف الاحزاب لم تقدر خطورة الموقف بطريقة صحيحة وتدرك هذا الموضوع.

س) طيب عندما تتحدث ممثلة الأمم المتحدة بهذه الصراحة كما أشرت حضرتك أنها تدعم استمرار المظاهرات المناهضة للحكومة في العراق، الا يعتبر هذا تدخلا سافرا للأمم المتحدة ويتجاوز مسؤولياتها وفق الأعراف الدبلوماسية؟

ج) في الواقع مشكلتنا اليوم بأن التظاهرات هي اليوم غاية وليست وسيلة، اليوم الشارع يريد ان يثير الرأي العام ويصبح هناك حالة إنسانية، فهم يضربون الشرطة وقوات مكافحة الشغب وهؤلاء يقومون بالرد على هذه الافعال حتى يتمكنوا من تصويرها وبثها للرأي العام على ان هناك قمع وقتل، وبالتالي باتت الحالة هذه هي حالة لكسر هيبة الدولة والقانون على اعتبار ان هذا القانون هو قانون مجحف يقتل الأبرياء!، ينال من الضعفاء، ينال من المتظاهرين، هذا هو ما يريده الامريكي والامم المتحدة، اي كلما طالت التظاهرات كلما ضعفت العملية السياسية وضعف النظام السياسي، وبالتالي اصبح انهياره وارد جدا، فأمريكا تريد انهيار النظام السياسي، تريد اسقاط كامل (العملية السياسية) بالقوى الناعمة على غرار ما فعلته عندما اسقطت نظام صدام، لكن تلك المرة بالقوى العسكرية، هذا ما تريده لذلك اليوم علينا ان نفوت الفرصة على الامريكي وعلى من يريد ان يقوم بعملية اسقاط العملية السياسية، بأخذ معالجات وحلول سريعة تتناغم مع الشارع ولو مرحليا وان تتنازل الاحزاب السياسية عن مكاسبها حتى يتم امتصاص الازمة وبعكس ذلك نحن مقبلون على نهايات مفتوحة لا يمكن التكهن بنتائجها.

س) اذا كانت الاحزاب مرفوضة من قبل الشارع كما قلت من اين نأتي بالوجوه الجديدة؟ ما هي الضمانات التي يكمن ان تقدمها هذه الوجوه الجديدة وبأنها ستكون ناجحة وتحقق ما يطمح اليه الشارع؟

ج ) هذه ليست العصا السحرية ولكن يوجد مقدمة للحل ولامتصاص نقمة الشارع فهذه الوجوه لابد وان تكون مستقلة و أكاديمية لم ترشح سابقا في الانتخابات، اي لم تحترق بمساومات سابقة، لم يتولوا مناصب سابقا ولابد ان يتحلوا بالشجاعة لفرض سلطة القانون لأنه اليوم نحن بأمس الحاجة الى ان تعود الحياة الطبيعية وان تعود الأمور الى نصابها.

س) لقد جاء "مايك بينس" قبل يومين الى العراق بطائرة شحن ونزل بقاعدة عين الأسد، وسمعنا انه دعا السيد عادل عبد المهدي أن يأتي الى هذه القاعدة ليلتقي به هناك، مما أثار ذلك غضب بعض الساسة العراقيين باعتبار أنه يشكل انتهاكا للسيادة العراقية، فـ لماذا ذهب بينس الى أربيل وعين العرب وخشي من المجيء الى العاصمة العراقية بغداد ولماذا احتج على العلاقات الإيرانية العراقية؟

ج) الامريكي حاضر في المشهد العراقي ولم يغيب، اعتدنا ان تكون زيارة المسؤولين الامريكان بأن تكون خفية غير معلنة بطائرات شحن عسكرية للقواعد وليست زيارات رسمية، اما تصريحاته فهو ينظر الى الكرد كشريك مستمر على عكس باقي الفرقاء الاخرين من الشيعة والسنة وبالتالي ينظر الى الكرد كنقطة استقرار، وهو ما تحدث به بالأمس بأن يكون هناك استمرار للتظاهرات وان يكون هناك استمرار في تعاطي الحكومة واستجابتها للمطالب، تحدث عن التظاهرات في ايران وربطها بالتظاهرات في العراق، فمن الواضح بأن هناك مخطط لتفعيل الملف العراقي والايراني معا لصالح الجانب الامريكي لخلط الاوراق وخلط اوراق المنطقة. فزيارته باعتقادي لم تكن زيارة مرحب بها لا شعبيا ولا سياسيا على الاقل لان الكل يعرف النفوذ الامريكي والخطر الأمريكي، لكن هو غير معلن وغير واضح، لكن هو موجود بصورة او بطريقة خفية غير منظورة من خلال التلاعب بأدوات تمثل بعض الشخصيات بعض الوجوه والجهات الإعلامية، ومنصات التواصل. امريكا تمارس دورا تخريبيا لكن بطريقة احترافية بطريقة غير منظورة، لا يمكن ان تكون واضحة للرأي العام حتى العراقي، لذلك من هنا تكمن المعالجة المحترفة للطريقة التي يتدخل بها الأمريكي، فنحن لا نقول بان نواجهها بالقوة العسكرية لكن عبر فضح وكشف الصفحات (على مواقع التواصل الاجتماعي) التي هي تابعة لامريكا والتي هي صنعت ودربت ووجهت ومولت من خلال اجندة أمريكية، وبالتالي هي تتحكم اليوم بصورة مطلقة بالمشهد الشعبي. اليوم الناس ناقمة على الطبقة السياسية لكن الذي يوجه الناس بهذه الطريقة هو هذه الصفحات، تقول للمحتجين اخرجوا فيخرجون، نحن لا نعلم من الذي قال (على صفحات التواصل الاجتماعي) سنخرج في 1/ 10 / 2019، الى حد الان موعد خروج التظاهرات هو موعد مبهم، من الذي حدده، من الذي نادى به، لا احد يعرف ذلك، ثم من الذي قال للمحتجين ارجعوا بعد 1/10 وسنخرج في يوم 25 / 10 وعادوا في 25 /10 ولا احد يعرف من الذي امر بالعودة بعد 1/10 وامر بتحديد يوم 25/10، وهذه الابهامات تدل على ان هناك من يعمل وينسق ويقرر ويقدر الموقف حسب الواقع فنحن كمراقبين لدينا قناعة بان الامريكي غير مقتنع بالعملية السياسية ولا الخطاب السياسي الحالي، وهو لا يصب في صالحه لذلك امريكا تريد ان تزيل هذه الطبقة السياسية وتأتي بطبقة سياسية جديدة وهذه العملية في ازالة هذه الطبقة لا يكون بالقوة العسكرية كما ازالت صدام حسين وانما كما ازالت حسني مبارك بالطريقة الناعمة عبر التظاهرات والاحتجاجات وصولا الى اسقاط النظام .

س) اضافة الى الامريكان هل كان للبعثيين دور في الاحداث التي لازالت متواصلة في العراق؟

ج) اتحدث لك عن الواقع، البعثيين ليس لديهم الحضور القوي في هذه التظاهرات، اقصد في تحريك التظاهرات، البعثيين تحركوا بعد التظاهرات وفرحوا بها وقاموا بتأييدها، لكن كمحرك هم لم يكونوا محرك لها، لانهم افتقدوا القدرة على التأثير والتواصل، لكن ما بعد التظاهرات نعم، ظهروا الى المشهد والساحة، لكن هل هم المحرك؟، كلا، هم ليسوا المحرك، المحرك هو امريكا.

س) ماذا عن الدعم اللوجستي، هناك من تحدث عن ان بعض الجهات قامت بتقديم الدعم المالي لبعض الأفراد بهدف الحفاظ على استمرارية الاحتجاجات، هل حدث بالفعل مثل هذا الدعم أم لا؟

ج) بالتأكيد، بعد التظاهرات بدأ الحراك وبدأت تأتي الاموال والتبرعات وحتى ان هذه التبرعات يتصارع عليها المحتجون والمتظاهرون فيما بينهم ووصلت الامور الى حد القتل والتصفية والصراع على هذه الأموال، وكما قلت فان المحرك الأساسي لجميع هذه القضايا هي امريكا.

حاوره / سعيد شاوردي

/انتهى/